البرقية المرفوعة إلى السدة العالية بالله
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبيه الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الغر الميامين مولاي أمير المومنين وحامي حمى الوطن والدين، سبط النبي الأمين؛
السلام على جنابكم الأعز الكريم، ومقامكم الأسمى العظيم؛
وبعد: فبمناسبة انعقاد الدورة العادية الثامنة والعشرين بمدينة الرباط يومي الجمعة والسبت 16 ـ 17 ربيع الثاني 1441هـ/ 13 و14 دجنبر 2019م، يتشرف خديمكم المطيع الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى أن يرفع – أصالة عن نفسه ونيابة عن جميع علماء مملكتكم -إلى مقامكم العالي بالله أزكى آيات الطاعة والولاء، وأسمى عبارات الإخلاص والوفاء، معاهدين جلالتكم على أداء حق واجب مساندتكم في مشاريعكم الرائدة الهادفة إلى تحقيق الوحدة والرخاء والازدهار والنماء، وإزالة العقبات المشوشة على ثوابت الأمة الجامعــــــــــة، وأنــــــــواع اختياراتها العاصمة، القائمة على العقد السني الأشعري، المُجَمَّل بمقامات التصوف الخلقي الجنيدي، المعزز بمقررات المذهب المالكي المدنــي، المتميـز بإيلاء المصلحـة العامــة أهميـة خاصــة، وهي مصلحة استطاعت عبر تاريخ الأمة الطويل أن توجد مخارج شرعيـة لأقضيــة كثيرة،
وأن توحد عامة المسلمين على نمط مقنن في التعبد يحمي الجماعة
من الفتنة ويقيها شر الاختلاف.
إن علماء مملكتكم يا مولاي الذين دخلوا في السلم كافة، ليغتنمون هذه المناسبة السعيدة ليعربوا للمقام الشريف – أسماه الله – عن تقديرهم الكبير لشريف عنايتكم بمصالح أمتكم في جميع المجالات التي تهم شأن المواطنين خصوصا المجال الديني الذي أبدعتم فيه محليا على مستوى التنظيم المؤسساتي، والتأطير الديني، والتأهيل العلمي والنفسي والمالي للقيم الديني المجسد في معهدكم الخاص بتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، وتجديد الدرس الشرعي والحديثي وتقوية الصلات بصورها وألوانها التي توجتموها أخيرا بترجمة موطإ الإمام مالك رضي الله عنه إلى أوسع اللغات انتشارا وأكثرها تداولا في أشهر الجامعات ذكرا وأبسطها نِتاجا في هذا العالم الفسيح.
كما أبدعتم يا مولاي في المجال الديني دوليا على مستويات متعددة من أهمها عرض نموذج التدين الصحيح السمح المتخلق الرحيم، وإحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة التي وكل إليها أمانة التعريف بالصورة الحقيقية للدين الإسلامــــــي الحنيـــــــف؛ وتكوين الأئمة الهادين من مختلف جهات المعمور خصوصا دول إفريقيا الشقيقة والصديقة، التي يشهد أهل العقل فيها بمتانة صلتكم بها، وتواتر نفعكم للراغبين من طلابها.
إن علماء مملكتكم الشريفة، وهم يقومون بواجبهم المنوط بهم بحكم البيعة الشرعية التي تطوق أعناقهم، ليدركون قدر ما تحملوه أمام أمتهم من واجب خدمة ثوابت الأمة الجامعة بأبعادها العقدية والعبادية والخلقية، والسلوكية، والحكمية والعملية، وتثبيت الأعراف الحسنة بأشكالها ومراتبها، وتمتين أخلاق التضامن بصورها ومجالاتها،
التي بها تحفظ البيضة، وتتحق الأخوة، وتنتشر المحبة، ويشيع الأمن، وتظهر الأهداف الكبرى التي قام عليها النصح في مشيخة العلماء، لدرء الفتن الكبرى والصغرى وتحقيق جودة مظاهر التدين المثلى، وتقوية عزيمة التخلق الفضلى، التي بها تميز مجتمع اليقين؛ صادرين في كل ذلك عن شريف توجيهاتكم، جاعليها نصب أعينهم، مصغين إليها بآذان قلوبهم؛ لأداء حق أمانة الدين بشرط الوعي، وأمانة الرسالة بشرط الفهم، وأمانة التبليغ بشرط الحكمة، وأمانة القدوة بشرط المحبة، وأمانة الشهادة بشرط الإمامة التي بها يظهر التمثل المطلوب لمعالم الوراثة النبوية في التلقين والتمثيل والتمرين، المنتهية إليهم عن الخيار المجتهدين من سلفهم بسندها المتوارث، التي شاء الله تعالى أن تكون منطلقا لحماية هذه الحنيفية السهلة من مغاوي الناكثين،
وشذوذ النعارين، الذين انغمسوا في المضال، وتخوضوا في قبائح المَزَالِّ.
حفظكم الله يا مولاي بما حفظ به الذكر الحكيم، وأدامكم حصنا مكينا لهذا الدين، تصونون أبنيته الموطودة، وتحمون دعائمه المرفوعة، سائلين الحق تعالى عزه، وتقدس مجده وكرمه، أن يديم على جلالتكم لباس عزه وعافيته، ويسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، ويحرسكم بعينه التي لا تنام، ويجعلكم في كنفه الذي لا يضام، قرير العين ببشير السعد وولي العهد الأمير الجليل المحبوب مولاي الحسن، المقتفي لخير سَنن، ومشدود الأزر بصنوكم السعيد سمو الأمير المولى رشيد، إنه ولي ذلك والقادر عليه. كما نسأله تعالى أن يمطر شآبيب الرحمة والرضوان على فقيدي الأمة المغربية والإسلام مولانا محمد الخامس، ومولانا الحسن الثاني، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام على مقامكم العالي بالله ورحمته تعالى وبركاته. وحرر بالرباط يوم السبت 17ربيع الآخر 1441هـ الموافق 14دجنبر 2019م خديم الجناب الشريف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى
محمد يسف
كلمة فضيلة السيد الأمين العام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيئين وعلى آله وصحبه أجمعين . صاحب المعالي السيد الوزير أصحاب الفضيلة العلماء أعضاء المجلس العلمي الأعلى والسيدتان الفاضلتان
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
بإذن كريم مبارك من مولانا أمير المومنين صاحب الجلالة محمد السادس، رئيس المجلس العلمي الأعلى، وبمباركته لجدول أعمال هذه الدورة وموافقته الكريمة على مكان انعقادها وتاريخه، تنطلق أشغالها، إن شاء الله…فباسم الله مجراها ومرساها …
اسمحوا لي في بداية هذه الكلمة أن أرحب بمقدمكم، وأشكركم على تلبية دعوة مجلسكم للحضور في هذه الدورة وإغنائها بنشاطكم واقتراحاتكم وملاحظاتكم. إننا نشعر باعتزاز كبير وعلماء الأمة يحضرون في هذه القاعة وقد شدوا الرحلة إليها من جميع أنحاء الأقاليم والجهات. ما أجمل أن يجتمع علماء الأمة في صعيد واحد لتبادل الرأي والنظر في عمل المؤسسة وتقييمه، وتوجيه المؤسسة إلى السير على المحجة البيضاء التي يقود الأمة عليها ولي أمرها، أمير المومنين صاحب الجلالة محمد السادس أعزه الله، فمرحبا بالسادة العلماء خدام الدولة المغربية وحراس أمن هذه الأمة المغربية بتكليف من ولي أمرها أمير المومنين.
كما أحب في هذه الكلمة أن أتوجه بخالص التهاني إلى معالي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية وعضو المجلس العلمي الأعلى، بسلامة عودته من السفر الميمون الذي شد الرحلة بأمر من أمير المومنين لأداء رسالة علمية حضارية في الديار الأمريكية. كما نهنئه على ما صاحبه في هذه الرحلة من نجاح وتوفيق في أداء هذه المهمة التاريخية الحضارية ذات القيمة الكبيرة التي لا شك أن التاريخ سيفسح لها المجال وسيتحدث عنها، وسيحدث بها من لم يحضرها. الرسالة التي حملها أو حمَّله إياها أمير المومنين إلى الأوساط العلمية والنخب الفكرية والجامعية في العالم الجديد هي رسالة حضارية علمية، وهي أيضا انبعاث وانطلاقة جديدة نحو فضاءات أخرى، انطلاقة ناشئة من هذا العمل الكبير الرائد الذي يجري في بلدنا في مجال الإصلاح، الإصلاح الديني والدنيوي معا بقيادة ولي الأمة. إن الرسالة التي حملها معالي الوزير، تحمل في طياتها هذا الصدى، صدى لما يجري اليوم في ربوعنا المغربية تحت مظلة إمارة المومنين، ما يجري في هذا البلد من إحياء وبعث لصفاء عقيدة الإسلام السمحة المطبوعة بطابع الرحمة والأخوة والسلام والحكمة. هي رسالة هذه الشريعة الغراء القائمة على العدل والأخوة بين بني الإنسان أين ما كان موقعهم على الأرض. معيار التفاضل في شريعتنا وديننا هو الإيمان والعمل الصالح. على هذا الأساس يتفاضل الناس في شريعتنا وفي ديننا بصرف النظر عن ما لهم وما معهم من فضل الله عليهم، ولكنه يبقى رأس المال الذي يتفاضل الناس على أساسه.
إنها رسالة ذات أبعاد علمية روحية إنسانية. هذه الرسالة التي حملها أم حملها السيد الوزير من مولانا أمير المومنين هي التي يتهاداها صناع الأمن والسلام وبناة الجسور بالثقافات والحضارات، ذلك البناء الذي يبقى، هؤلاء البناة لا تستهلكهم المشاغل اليومية للعمل الذي يذهب، لا يشغلهم ذلك عن الاهتمام بما يبقى ويستمر، يبقى خالدا متحدثا عن الذين أنجزوه وصنعوه. فهو البناء الذي يسعى إليه كل من عرف هذه الحياة ونظر فيها بعقله وبإدراكه وبحكمته، وفضل أن يتعامل مع ما هو خالد فيها ويتجاوز عن الذاهب المؤقت. وهو البناء الذي سعى الخالدون من بين بني الإنسان، وتبناه الملوك منذ الأزل، وقال في حقه من سجله وخلده:
همم الملوك إذا أرادوا ذكرها من بعدهـم فبـألسـن البنـيان
إن البنـاء إذا تــقـادم عهــــــــده أضحى يدل على عظيم الشان
فالبنيان المشار إليه ليس فقط هو البناء بالحجارة والحديد والإسمنت، فهذا متاح لكل من له استطاعة البناء، ولكن مهمة أرباب الهمم تبقى مع بقاء الحياة، فمهما طال بناء الحجارة والحديد والإسمنت فلا بد أن ينتهي في يوم من الأيام. ولكن الفكر الخالد الذي ينفع الناس يمكث في الأرض، هو الذي يبقى دائما وأبدا، وهو الطموح الذي يحرك أرباب الطموح. فكثير من البناة بنوا بالحجارة والحديد والإسمنت وبنوا أيضا بالفكر وأسسوا حياة أخرى تستمر، ولما رحلوا عن الحياة اندثرت تلك الأبنية التي شيدوا بالحجارة والحديد والإسمنت ولم تذكر، لكن ما بنوه من العلم والفكر والإيمان والصدق والإخلاص من الأعمال الصالحة بقيت تتحدث عنهم وتحمل أسماءهم وقد ماتوا وذهبوا.
كان في حقيبة السيد الوزير، وهو يشد الرحلة إلى الديار الأمريكية، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بذرة زكية من بذور أحد ثوابتنا في هذا البلد، هدية من حضارة العلم والإيمان إلى ثقافة وحضارة أخرى لها شأنها وخصوصيتها، هذه البذرة حولت إلى تربة جديدة قد تحسن زراعتها وقد تتعهدها، وقد تنتج وتثمر وقد تعطي عطاء جيدا في المستقبل القريب أو البعيد. هي بذرة أخذت موقعها في العالم الجديد هناك، حيث تصنع أشياء لا تصنع في غير ذلك البلد. إنها عبارة عن إقامة جسر بين حضارة قديمة قدمت للإنسانية ثمار اجتهاداتها، ثم توارت عن الأنظار ولم يبق منها إلا ما يسعى المخلصون من أبنائها لإحيائه. هدية من هذه الحضارة إلى حضارة تمارس الآن وجودها، ويقطف عالم الناس اليوم ثـمار علمها واجتهاداتها، وهكذا فإن للحضارة كما للإنسان أعمارا قد تطول كثيرا ولكنها ستغادر مهما طال عمرها لتترك المجال لغيرها.
كان « موطأ » الإمام مالك هو البذرة التي حملها معالي الوزير بتكليف من أمير المومنين، الذي اعتنى بهذا المذهب، واعتنى بأصول هذا المذهب، وإحياء مواته وتراثه. ونتذكر جميعا أنه في رئاسته لأول دورة من دورات المجلس العلمي الأعلى أمر – حفظه الله – بعملين جليلين يتصلان بموضوع البعث والإحياء: أمر بتحقيق « موطأ » الإمام مالك، وقدم المواصفات التي يراها أنها لائقة أو التي تليق بمؤلف إمام الأئمة وسيد سادات علماء زمانه وبعد زمانه. كما أمر بالنظر حفظه الله في أحد أصول المذهب المالكي وهو المصلحة المرسلة، وقد تم ذلك في زمن جيد، تم تحقيق الموطأ وتم النظر في المصلحة المرسلة، وهذه من ضمن الوثائق التي يعتز بها مجلسكم العلمي الأعلى ويعتز بها علماء الأمة.
هذا الكتاب الذي هو « الموطأ » المحمول في حقيبة السيد الوزير، اسمحوا لي أن أتكلم عن السر المكنون في عمقه، والذي جعله يتحرك خلال كل العصور
ويعلن عن وجوده وعن نفسه، هذا الكتاب يحمل في طياته سر بقائه. أي عجب وأي عجب في هذا؟ أليس الذي ألفه هو مالك بن أنس الذي تشد إليه الرحلة من سائر الآفاق وتضرب إليه أكباد الإبل؟ هذا هو السر مؤلف ومؤلف.
حديث أهل المغرب عن كتاب الموطأ حديث طويل، عريض، عميق، فمنذ أن أدخله في حقيبة سفره في الزمن القديم من ارتبط اسمه بروايته، بل من ثبتت روايته لهذا الكتاب أصح رواية وأوسعها انتشارا، إنه الإمام يحيى بن يحيى الليثي المصمودي الذي أطلق عليه الإمام مالك نفسه، عندما رأى عليه معالم الحكمة والعقل والفطنة، وصف « عاقل أهل الأندلس« .
الإمام يحيى بن يحيى وضع كتابه في الغرب الإسلامي على تخوم المحيط الأطلسي هناك في الأندلس، ومن الأندلس إلى المغرب، ثم إلى أقطار شمال إفريقيا، وغيرها.
أخذ يحيى بن يحيى علم مالك سماعا من فم مالك، وأخذ كتابه المكتوب من يد الإمام مالك، أي عالم أقرب إلى مالك وإلى فقه مالك من يحيى بن يحيى الليثي؟ثم طار بعلم مالك وبمؤلف مالك إلى هذا الغرب حيث وجد التربة الخصبة والماء والهواء فأثمر ثماره، إذ جعل الغرب الإسلامي بأندلسه وبمغربه الكبير محمية مالكية خالصة لعلم مالك وفقهه ومنهجه في الاجتهاد من دون بقية المذاهب الفقهية التي بايعت فقه مالك واجتهاده وانسحبت.اعتنق المغاربة هذا المذهب واختاروه لأنه ربى فيهم روح الوحدة والجماعة، وأبعدهم عن كل ما يشوش على صفاء عقيدتهم ودينهم. إذن نزل المذهب، ونزل كتاب الموطأ، ضيفا على الغرب الإسلامي محمولا فيما حمله يحيى، وتلك رحلة هذا الكتاب الأولى من المشرق إلى الغرب الإسلامي، لكن يحيى والموطأ بقيا على الضفاف الشرقية للمحيط الأطلسي أو بحر الظلمات. لم يتجاوز يحيى هذا البحر، ما كان يدري ما وراء هذا البحر من عمران. ولكن طاب لهذا الكتاب المقام في هذا الوطن واستوطنه واستقر فيه. فهو يصدق عليه ما قال الإمام حين رحل إلى الشام ودخل دمشق حيث قال:
نزلنا بها ننوي المقام ثلاثـــة
فطابت لنا حتى أقمنا بها شهرا
ولكن هل انتهت رحلة الكتاب؟ وهل وضع عصا التسيار؟ كما يقولون، أو ما يزال يسكنه طموح الرحلة من جديد إلى آفاق أخرى من هذا الغرب في اتجاه مغرب الشمس.
أما في زمن يحيى بن يحيى فإن هذا الغرب هو أقصى ما كان يمكنأن يبلغه ما هو قادم من المشرق، هو الوقوف على شاطئ بحر الظلمات. وحتى عقبة بن نافع الفهري عندما تجول في شمال إفريقيا ووصل إلى المحيط الأطلسي قال هذه الكلمة، قال: « لو علمت أن وراء هذا البحر غزوا لخضته غازيا في سبيلك ».إذن لم يكن هناك تفكير في رحلة في اتجاه مغرب الشمس بعد رحلة يحيى.
لكن، وبعد 1400 عام، من عصر وزمن يحيى إلى زمن أمير المومنين، فتح ملف الموطأ، إيذانا بأن هذا الكتاب سيتحرك من جديد فيشق طريقه نحو فضاءات أخرى. وشاء الله لهذا الكتاب بعد تحقيقه من قبل علماء المجلس العلمي الأعلى، أن ينتقل إلى مرحلة أخرى، أن ينقل إلى لسان آخر، اللسان الأكثر انتشارا بين سائر ألسن أهل الأرض الآن، ألا وهو هذا اللسان الأعجمي الإنجليزي الأمريكي. ولذلك كان لا بد من أن يشق طريقه إلى وطن هذا اللسان.
إذا ذهب الموطأ إلى ذلك البلد فإن ثابتا من ثوابت أهلنا ومغربنا انتقل إلى هناك. ولكن انتقل فرع وبقي الأصل هنا. الأصل محفوظ بالثابت الحافظ الباقي وهو ثابت إمارة المومنين العاصمة لهذه الثوابت أي الثوابت الأربعة: (العقيدة الأشعرية والفقه المالكي والتصوف السني وإمارة المومنين) تماما كما كانت قرطبة في وقت ما وتحدث عنها أيضا من كان معجبا بها لما قال:
بأربع فاقت الأقطار قرطبــة منهن قنطرة الوادي وجامعها
هاتان ثنتان والزهراء ثالثــــــــــة والعلم أفضل شيء وهو رابعها
إمارة المونين هي رابعة الثوابت عندنا.
وجاءت لحظة الرحلة، وكما كانت رحلة الموطأ في أول رحلة لهإلى مغرب الشمس في حقيبة يحيى بن يحيى الليثي المصمودي، وبمباركة من الإمام مالك ودعواته ليحيى بن يحيى، جاءت الرحلة الثانية للموطأ أيضا بأمر ملك من ملوك الإسلام وأمير المومنين الذي بارك هذه الرحلة، وبارك هذا الكتاب الذي سيرحل إلى دنيا أخرى. وكما كان هذا الموطأ في أول رحلته حمله طالب مغربي كان يدرس هناك اسمه يحيى بن يحيى الليثي المصمودي، فإن هذا الكتاب في رحلته الثانية وبمباركة ملك المغرب أمير المومنين حمله وزير مثقف، عالم باحث هو أحمد التوفيق المصمودي، المصامدة حاضرون بقوة في الرحلة الأولى للكتاب وفي الرحلة الثانية. يكون هذا من لطيف الاتفاق، وقلما يحدث هذا في عمل علمي، ولكن لا غرابة أن يحدث هذا في الموطأ.
الآن، هذا الكتاب يأخذ موقعه في قلعة علمية عظيمة، وفي العالم الجديد، في جامعة هارفارد، فهي التي تسلمت هذا الكتاب ونزل ضيفا عليها، وهي من أشهر جامعات الدنيا والجامعات الأمريكية. قد يكون لنا حظ في وقت ما أن يحدثنا السيد الوزير عن رحلته بهذا الكتاب، وكيف كان شعوره وهو يحمله ليضعه في عمق قلاع العلم في الولايات المتحدة الأمريكية.
قد يكون لهذا الحديث الذي نتناوله الآن نبأه « ولتعلمن نبأه بعد حين » إن شاء الله. لا فرق بين مصامدة طنجة ومصامدة الأطلس الكبير كلهم مصامدة. كلهم ينتمون إلى ذلك القبيل الكبير الذي بنى إمبراطورية ساست هذا الغرب الإسلامي زمنا طويلا، وتركت على أرض هذا المغرب آثارا عظيمة، ونحن عندما نقرأ هذا العصر نبهر بالاجتهادات والابتكارات العظيمة التي سجل قلم المؤرخين بعضه واقتطف منها شيخنا وأستاذنا المرحوم محمد المنوني رحمه الله في كتابه الجليل
« الحضارة المغربية على عهد الموحدين« . وبعد، سيدي الوزير أصحاب الفضيلة السيدتان الفاضلتان
لا تعجبوا إن طال وقوفي أمام رحلة موطأ إمامنا مالك نحو الغرب الآخر، والتي تبدو أنها طالت بعض الشيء أو هكذا يبدو. ومع ذلك فإننا لا نستطيع أن نستوعب قيمة ومزايا مؤلف إمام مالك الكثيرة. لا يخفى على أحد أنه من بواكير التأليف في تاريخ الإسلام. الإمام مالك كان من أوائل المؤلفين مع طبقة من الرواد الكبار. هو كتاب من الرعيل الأول في المؤلفات. هذه التحية تحية إمام المغرب للغرب، تحية حضارية علمية.
إذن، مهما قلنا ووقفنا أمام موطأ مالك فقد وقف قبلنا علماء، باحثون رواد، وكتبوا عن هذا الموطأ وسيكتب الكاتبون بعد اليوم ولن يحاط بمناقب ومزايا هذا الكتاب وأثره. لم نبتعد عن موضوع هذه الدورة، وإذ نتكلم عن أصل ثابت من ثوابت أمتنا التي تحرسنا، فنحن في صميم مهمة دورتنا، ولكن هذه الدورة التي تداعى إلى الحضور فيها علماء الأمة قادمين إليها من شتى الأقاليم والجهات، حضروا من أجل أن ينظروا في ثمار عملهم. لأن هذه الدورة هي الثامنة والعشرون من دورات المجلس. إذن المؤسسة قطعت أكثر من عشرين خطوة على الطريق:
مشيناها خطى كتبت علينــا
ومن كتبت عليه خطى مشاها
هذه الدورة تقول لنا: ماذا فعلت الدورات السابقة؟ وماذا فعلتم بما تحدثتم عنه والتزمتم به في الدورات السابقة؟ هذه الدورة تطلب من علماء الأمة أن يتفقدوا شيئا ما من عملهم، هل وضعوا شيئا على الأرض؟ هل وضعوا صناعة على الأرض؟ ماذا صنعوا في هذا الإنسان المغربي؟ لا شك أننا جميعا نعرف أن أمير المومنين – أعزه الله – عندما جعل في كل إقليم مجلسا علميا، كأنه كان يرى أنه عندما يضع مجلسا علميا في تربة إقليم من الأقاليم فإنه سيكون قد غرس شجرة هناك، شجرة تورق وتزهر وتثمر، ويقبل الناس عليها لجني الثمار والاستفادة منها، وإذا فعلوا ذلك وذاقوا ثمارها فإنهم سيحيطونها بالرعاية والخدمة، ويكونون خداما لتلك الشجرة يدفعون عنها كل الآفات.
فهل مجالسنا هي أشجار مثمرة في مجالها؟
هذا سؤال يجب أن نضعه على أنفسنا …
هذه الدورة كأنها تقول لنا: أنا الآن في العد ثمانية وعشرون، لكن قولوا لي: ماذا فعلتم بما تحدثتم عنه في الدورة السابعة والعشرين، والسادسة والعشرين والخامسة والعشرين، والرابعة والعشرين في العد التنازلي لهذه الدورات حتى نصل إلى الدورة الأولى. هل حدث شيء على الأرض؟ أقول: نعم، حدث للعلماء وجود على الأرض، لهم حركة، لهم عمل نقدره، ولكنه أقل مما يطمح إليه العلماء، وأقل مما ينتظره المنتظرون.
انتظارات ولي أمر الأمة بالدرجة الأولى كبيرة. هل استطاع المجلس
أن يمتلك قلب أهله في محله؟ هل استطاع أن يستقطب شباب المحل، وفتيات المحل، وكل فئات ذلك المحل، مدينة كانت أو قرية؟ هل استطاع المجلس أن يحقق هذا؟
قد يكون هذا مطلبا من المطالب لابد أن نصل إليه ولابد أن نحققه.
لابد لتلك الشجرة أن تصبح شجرة عظيمة، ودوحة كبيرة يستظل الناس بظلها وينتفعون بخيراتها. هذا هو المجلس، فالمجلس ينبغي أن يكون كبيرا في محله ودوحة كبيرة في محله. هذه الدورة تسألنا عن هذا. تقول لنا هاتوا برهانكم، قولوا لي ماذا ستفعلون بي؟ لماذا جئتم؟ ماذا فعلتم في الدورات السابقة؟ اسمحوا لي أن أتكلم بقلب مفتوح مع إخواني الذين أعرف أن قلوبهم مفتوحة أيضا، ويحبون ويتحدثون كما أتحدث الآن معهم، واغتنمت هذه الفرصة لأن هنا في هذه القاعة علماء الأمة، أي الذين وهبوا أنفسهم لخدمة أمتهم، ليس لديهم مشروع آخر يشتغلون عليه،
هذا هو عالم الأمة: سخر علمه ووقته وعقله لخدمة أمته، وخدمة وحدة أمته، وجمع شمل أمتـــــــه، ورفاهيـــــة أمته وراء إمامها الأعظم. عالم الأمة أطلقه العلماء قديما
على العالم الذي تفرغ لخدمة أمته. ربما كان الإمام الزهري هو أول من أطلق هذا الوصف على عالم من علماء زمانه. سئل الإمام الزهري عن عالم من علماء العصر اسمه قبيصة بن ذؤيب، وقبيصة هذا كان مستشارا كبيرا لعبد الملك بن مروان،
سئل عنه الإمام الزهري: ما رأيك في قبيصة؟ قال: إنه من علماء الأمة. وطبعا كان هناك في عهد الزهري علماء لا يخدمون الأمة كما يخدمها علماء الأمة،
كانت عندهم مشاريع أخرى يشتغلون عليها، وكان منهم من يشتغل لنفسه،
ومنهم من يشتغل لفئة من الفئات أو لجهة من الجهات. لكن عالم الأمة يتفرغ ويفرغ نفسه ويجعل كل وجوده لخدمة الأمة.
جئنا إلى هذه الدورة بعد أن قدمنا حساب المرحلة السابقة عما فعلنا
في السنة السابقة وفي الموسم السابق، عندما هيأنا التقرير السنوي الذي جمع عمل مجالسنا المنبثة في كل أرجاء هذه المملكة. تقارير المجالس العلمية المحلية هي
التي جمعها التقرير الشامل الذي وضع بين يدي أمير المومنين بمناسبة إحياء ذكرى مولد الرسول عليه الصلاة والسلام برئاسة أمير المومنين الذي كان هذا العام
في مراكش. ومعالي الوزير، عضو المجلس العلمي الأعلى، هو من قدم هذا التقرير،
لأنه هو الذي ينظر في العمل الإسلامي في هذا البلد نظرة شاملة. قدم عطاء المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية في أربعة أجزاء ضخمة، وألقى بالمناسبة عرضا مختصرا، ولكنه جامع، تحدث فيه عن الإشراقات التي أشرقت في هذه السنة التي ودعناها. إذن نحن الآن قدمنا حسابنا في التقرير السنوي الذي رفع إلى أمير المومنيـــــن، وجئنــــا الآن هنا من أجل أن نفكر ونهيئ مشروع العمل للسنة المقبلة،
لكن إلى جانب ذلك لابد أن نقول: أربعة أجزاء في التقرير السنوي عمل ضخم.
كل من ينظر في تلك الأجزاء لا يسعه إلا أن يعترف بأن المؤسسة العلمية،
بمجلسها الأعلى وبفروع هذا المجلس في الأقاليم، لابد أن يعترف بأن هناك وجودا علميا حقيقيا عرفته هذه الأقاليم. لكننا نتساءل عن ماذا أحدث في الإنسان؟
هذا التساؤل ينبغي أن يرافقنا في كل مراحلنا وفي كل خطوة نخطوها.
كنت أود أن أقرأ خلاصة لذلك التقرير ولكن خفت أن أطيل أكثر مما أطلت الآن.
لقد أطلت، لكن مع ذلك ما زال عندي ما أقول:
الذي لا أحب أن يفوتني وأنا أجتمع مع إخواني العلماء الذين يساهمون
في صيانة الوجود المعنوي لأمتهم وحمايته، أقول لهم إنه قد توفر للمؤسسة العلمية وللعلماء ما لم يتقدم أن كان العلماء يتمتعون حتى بعشر من أعشار ما هو موجود ومتاح لهم وموضوع رهن إشارتهم الآن. أنا لا أتحدث عن الميزانية،
ولكنني أتحدث عن الثروة البشرية الرائدة والعظيمة والضخمة التي توضع رهن إشارة المجالس العلمية، والتي تتخرج من هذا المعهد الذي نقيم دورتنا فيه الآن،
معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات. في كل عام يتخرج
من هذا المعهد فوج من شباب الأمة، وفتيات الأمة وجميعهم في الأصل خريجو الجامعة. هؤلاء الذين يدرسون ويأتون إلى هذا المعهد كلهم جامعيون، تخرجوا
من الجامعة، وفيهم من يحمل شهادات عليا، ويعيشون هنا سنة كاملة، يتلقون فيها ما يتلقــون من المعارف، وفي نهاية المطاف يوزعون على المجالس العلمية في أقاليم المملكة. هذه الثروة الهائلة، لا يحلم بها أحد؛ لا يحلم بها أي تنظيم من التنظيمات الموجودة، إنه في كل سنة يأتي للمؤسسة العلمية مدد من شباب الأمة، وكلهم عزم وحزم. يمكن للمجالس العلمية أن تحقق بهم المعجزات العلمية والإصلاحية، يمكن أن تحدث فعلا تلك الصحوة التي نتحدث عنها. كما يمكن أن يحدث
شيء كبير عن طريق هؤلاء الشباب المتخرج. فهذا أيضا يسائلنا ماذا فعلنا لهذا الشأن؟ هؤلاء الشباب عندما يأتون إلى المجلس العلمي في الإقليم الذي يعينون فيه يتوقعون أنهم سيجدون مجلسا لشيوخ العلم، يجدون شيخا من شيوخ العلم، يتعلمون منه، من علمه ومن تربيته ومن سلوكه ومن أخلاقه، هذا هو تصورهم. فأنا أعيش مع بعضهم فهم يقولون نحن سنستكمل تكويننا مع شيوخنا هناك، عندما يتم تعييننا هناك. فهل هذا واقع في أقاليمنا وفي مجالسنا؟ هل نستثمر هذه الثروة البشرية الهائلة التي تكونت وبتكلفة عالية وكبيرة جدا، حين توضع بين أيدي علمائنا في أقاليمهم، في مجالسهم، وفي محلهم؟ فتيات شابات، وشبان في عز الشباب وفي أوج العطاء. إنها مسؤولية كبيرة، كان بإمكاننا أن نجعل هذه الدورة خاصة بهذا الموضوع فقط، نتحدث عن ما ربحناه من شباب الأمة – الآن هذا الفوج هو الخامس عشر – يعني جيش من شباب الأمة وفتياتها هو موجود الآن في الميدان عندكم أيها العلماء في مجالسكم. هذه واحدة، والثانية أننا نلاحظ أن فهمنا لمهمة المجلس، ولمهمة شيخ المجلس، وأعضاء المجلس، لايزال في حاجة إلى تعميق. والوثيقة التي صدرت وعنوانها « سبيل العلماء » هي التي تعطـــــي الوعــــي الحقيقـــــي بمسؤوليــــــة العالـــــم في أمتـــــه، ولاسيما ما يتعلق بما عنون في ذلك الوقت بالأمانات. هذه الوثيقة ينبغي أن تكون عندنا محفوظة حفظا كاملا وعن ظهر قلب، ويجب أن نتذكرها دائما. هذا أيضا موضوع يحتاج إلى جلسة طويلة. لا بد إخواني أن نتناصح وقد أمر الله عز وجل بذلك عندما قال عز من قائل:
« والعصر إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر » فنحن نلتقي هنا لنتواصى. إن الزمان يمر بسرعة مذهلة.
أمير المومنين محمد السادس عندما بدأ عمله، استحضر مسؤولية الإمامة العظمى، مسؤولية العرش، ماذا ينبغي أن يحقق على الأرض؟ مر الآن عشرون عاما، ويتحدث الناس عن الإنجازات الكبيرة التي تحققت في عهد محمد السادس، فنحن أيضا ينبغي أن نتحدث عما حققناه وقد مضى على عملنا تقريبا ستة عشر عاما أو يزيد
ونحن برفقة صديق عزيز يسعى إلى أن يكون العلماء في قلب مجتمعهم، في قلب أمتهم، في قلب وطنهم، هذا هو التحدي الكبير حتى نحقق ذلك. ولكننا نتفاءل،
لا بد أن نستحضر أنه علينا أن نشتغل أكثر وأن نطور عملنا ونتعاون،
وإلا لماذا هذه الدورات التي نجتمع فيها؟ أليس لأن نتواصى وأن نحاسب أنفسنا؟ هذه هي المهمة الكبيرة.
إخواني، معالي الوزير، قبل أسبوع وبالضبط يوم الجمعة الماضي أحيا المغرب ذكرى وفاة أمير المومنين جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، فقد مر على وفاة هذا العاهل العظيم أكثر من عشرين عاما، والعلماء لهم
نصيب في تاريخ هذا الرجل الذي اختاره الله لجواره، فهو أول رئيس لمجلسنا الأعلى بل هو الذي وضع لبنة الأساس لهذا التنظيم: المجلس العلمـــي الأعلـــــــى
والمجالس العلمية، هو أول من دشن هذا العمل. هذا الملك لم يكن العمل سهلا في زمانه، كان هناك في الدنيا ولاسيما في البلدان الهشة إرهاب إيديولوجي، وكان هناك صراع كبير بين الإيديولوجيات، فكيف عمل الحسن الثاني على الخروج منها وبشعبه وأمته سالما؟ لم يحدث لبلدنا أي ألم مما وقع ومما حدث للآخرين، ذلك لأنه ركن إلى سياسة المسيرات. فالحسن الثاني ليس له فقط المسيرة الخضراء، مسيراته كثيرة جدا. مسيراته كلها ركن فيها إلى دين الله لأنه كان يثق في دين الله، كان عنده هذا الوثوق الكبير.
فكان الناس يتعلقون بالناس لنجدتهم، أما هو فكان يتعلق بخالق الناس، رب الناس، لذلك صنع تلك الفترة وأنجز إنجازات عظيمة، أليس هو الذي أخرج الدروس الحسنية الرمضانية العلمية التي كانت غائبة في الناس؟ أليس هو الذي أسس دار الحديث الحسنية التي تخرج منها عدد من شباب الأمة ومن علمائها؟ ومعنا عدد كبير منهم. وضع هذه المسيرة العلمية الكبيرة، ومسيرات أخرى له. بذكرى وفاته نتذكر هذه الأعمال العظيمة التي كان يصنعها ملوكنا وأئمة أمرنا وقواد سفينتنا. ولكن كان علماؤنا مع ولاة أمرهم، كانوا إلى جانب الحسن الثاني في زمنه، وفي وقته كان بإزائه صفوة من العلماء يقربهم ويصغي إليهم، ويستشير معهم في كثير من القضايا وهم أيضا كانوا يعرضون عليه بعض القضايا التي كانت تقلقهم، وكان يستجيب لطلباتهم. ملوكنا هم هكذا في تاريخنا. ثم هذه المسيرة
التي بدأها الحسن الثاني أخذها ولي أمرنا الآن، وارث سر الحسن الثاني وسار بهذه المؤسسة، ورفع هذا الصرح العظيـم والشــــأن الدينــــــــي الذي نعيشــــــه الآن، بما فيه هذا الصرح الذي نجتمع فيه هو مظهر من مظاهر الصحوة الكبيرة التي قادها محمد السادس، وما يتخرج من هذا المعهد، الذي شد إليه أنظار الدنيا، فما من زائر أجنبي له فكر إلا ويبدأ بزيارة هذا المعهد ليرى ماذا يتحقق داخل فصوله وأقسامه.
هذا هو المغرب، والمغرب كان دائما بملوكه العظام، وبعلمائه وبالمخلصين من أبنائه، ولكنني الآن ألقيت المسؤولية مباشرة على عاتق العلماء، فهم يودون
أن يسمعوا الشيء الكثير عن العلماء، أن يشاهدوا الشيء الكثير على الأرض صنعه العلماء، وإلا فإنهم لا يسكتون. لابد أن يتكلموا عن العلماء ولابد أن يذكروا العلماء، ولابد أن يقولوا في العلماء ما يحبه العلماء وما لا يحبونه أيضا.
معالي الوزيرأصحاب الفضيلة السيدتان الجليلتان
أود أن أطلب منكم بعد هذه الدورة الثامنة والعشرين، أن نستحضر دائما في مجالسنا العلمية وفي كل حركاتنا وأنشطتنا، أن الوقت قصير، وهو يطير من بين أيدينا، فينبغي أن نصنع في هذا الزمن شيئا يبقى متحدثا عن علماء الأمة في هذا العصر.إذن العلماء الآن يصنعون تاريخهم وسيتحدث عنهم هذا التاريخ بعد قليل، فماذا سيقول التاريخ عنا؟ هذا هو سؤالي. ولذلك أحب وأطلب أن نبدأ عملا جديدا أكثر سرعة، وأن نسرع خطواتنا على الطريق أكثر حتى نستدرك ما فاتنا. هذا ما أحببت أن أقوله في هذه الجلسة معكم. وأشكركم. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
البرقية المرفوعة إلى السدة العالية بالله
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
وبعد، بالإذن السامي لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، عقد المجلس العلمي الأعلى
– بحمد الله تعالى وتوفيقه – بعاصمة المملكة، رباط الفتح، دورته العادية الثامنة والعشرين يومي الجمعة والسبت 16-17 ربيع الآخر1441هـ الموافق 13-14 دجنبر 2019م، حيث تم افتتاح هذه الدورة بآيات بينات من الذكر الحكيم، تلاها الأستاذ عمر محسن، رئيس المجلس العلمي المحلي للدار البيضاء أنفا؛
بعد ذلك تناول الكلمة صاحب السعادة، فضيلة الدكتور محمد يسف، الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، فرحب بالسادة أعضاء المجلس العلمي الأعلى، وهنأ معالي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية على سلامة عودته من الرحلة العلمية الحضارية التي قام بها إلى الديار الأمريكية، بأمر سام من أمير المومنين – أعز الله أمره – تلك الرحلة التي كانت الغاية منها نشر كتاب « الموطأ » للإمام مالك مترجما باللغة الإنجليزية، وقد تكلم فضيلته باستفاضة عن القيمة العلمية الكبيرة لهذا الكتاب وأثره، مختتما بتذكير السادة العلماء بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، والمتمثلة في خدمة الثوابت الدينية وحراسة الأمن الروحي للأمة.
ثم تلتها كلمة معالي الأستاذ أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، حيث بسط الكلام في تفاصيل الرحلة العلمية التي زار خلالها الولايات المتحدة الأمريكية، ثم تطرق لقضايا عديدة تتصل بالمؤسسة العلمية، مذكرا بتحديات الوقت الراهن وكيفية مواجهتها.
وهكذا، وعقب انتهاء الجلسة الافتتاحية تشكلت لجن هذه الدورة والبالغ عددها خمس لجن، وهي:
- الهيأة العلمية المكلفة بالإفتاء؛
- لجنة الأئمة المرشدين والمرشدات؛
- اللجنة المكلفة بالنظر في دليل المؤسسة العلمية؛
- لجنة برنامج العمل السنوي؛
- لجنة المصادقة على ميزانية السنة المالية 2020.
وقد عكفت اللجن سالفة الذكر على مناقشة القضايا المطروحة عليها وتدارسها.
وقبل عرض خلاصات عملها، قدمت خمسة عروض تمت برمجتها
في إطار متابعة أنشطة المؤسسة العلمية، كل عرض يهتم بقضية تهم عمل المجالس العلمية سواء على المستوى الوطني أو على صعيد أوروبا.
وفيما يلي ملخص تقارير اللجن:
- الهيأة العلمية المكلفة بالإفتاء:
خلال الاجتماع، ذكر السيد المنسق بمطالب الفتوى التي توصلت بها الهيأة ما بعد الدورة السابعة والعشرين، والتي ناهز عددها خمسين مطلبا، تتصدرها قضايا المقابر، ثم أسئلة المواطنين، فقضايا الشأن العام.
- لجنة الأئمة المرشدين والمرشدات:
عملت اللجنة على مناقشة الورقة التي أعدتها الأمانة العامة للمجلس، وأبدى أعضاؤها ملاحظات واقتراحات تهدف جلها إلى تنمية كفاءة الإمام المرشد والمرشدة وتحسين أدائهما للمهام الموكولة إليهما
عن طريق مجموعة من الإجراءات منها الاهتمام بتطوير المنظومة، والسعي إلى توفير دليل الإمام المرشد والمرشدة.
- اللجنة المكلفة بالنظر في دليل المؤسسة العلمية:
خلال اجتماعها ثمنت اللجنة ما جاء في الوثيقة التي أعدتها الأمانة العامة للمجلس مع الإشارة إلى التحديات التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار أثناء وضع الخطط.
كما اقترحت إعداد دليل آخر تساهم في تهيئته المجالس العلمية المحلية للتعريف بإمكانياتها وخصوصياتها، وكذلك معرفة حقيقة وواقع كل جهة.
- لجنة النظر في برنامج العمل السنوي :
تدارست اللجنة خلال اجتماعها موضوعين اثنين:
- البرامج السنوية للمجالس العلمية المحلية لعام 2020، حيث استعرضت أهم المحاور التي تضمنتها، واقترحت ضرورة الاستعانة بالأئمة المرشدين والمرشدات أثناء وضع برنامج العمل السنوي، وكذلك الحرص على الاهتمام بالخطبة المنبرية؛
- أجوبة المجالس عن مذكرة الأمانة العامة المتعلقة بواقع الشرط وتثبيته ودعمه.
- لجنة المالية:
افتتحت اللجنة اجتماعها بعرض تضمن الجانب التشريعي لميزانية 2020، ومشروع ميزانية 2020، ثم تناولت الوثيقة المرجعية التي أعدتها الأمانة العامة للمجلس في هذا الشأن، مشيدة بدور جهوية صرف الميزانية وبضرورة مواكبة جهود الآمرين بالصرف.
وإثر ذلك، عقدت الجلسة الختامية، حيث استمع الحضور الكرام
إلى كلمة رئيس الدورة السيد الأمين العام للمجلس، وتليت البرقية المرفوعة إلى السدة العالية بالله، رئيس المجلس العلمي الأعلى، أمير المومنين
صاحب الجلالة، الملك محمد السادس نصره الله وأيده.
وبعد الدعاء، كان مسك ختام الدورة ترتيل آيات بينات من الذكر الحكيم.
ونقدم، في الصفحات التالية، إضاءة لأعمال الدورة الثامنة والعشرين للمجلس العلمي الأعلى:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبيه الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الغر الميامين مولاي أمير المومنين وحامي حمى الوطن والدين، سبط النبي الأمين؛
السلام على جنابكم الأعز الكريم، ومقامكم الأسمى العظيم؛
وبعد: فبمناسبة انعقاد الدورة العادية الثامنة والعشرين بمدينة الرباط يومي الجمعة والسبت 16 ـ 17 ربيع الثاني 1441هـ/ 13 و14 دجنبر 2019م، يتشرف خديمكم المطيع الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى أن يرفع – أصالة عن نفسه ونيابة عن جميع علماء مملكتكم -إلى مقامكم العالي بالله أزكى آيات الطاعة والولاء، وأسمى عبارات الإخلاص والوفاء، معاهدين جلالتكم على أداء حق واجب مساندتكم في مشاريعكم الرائدة الهادفة إلى تحقيق الوحدة والرخاء والازدهار والنماء، وإزالة العقبات المشوشة على ثوابت الأمة الجامعــــــــــة، وأنــــــــواع اختياراتها العاصمة، القائمة على العقد السني الأشعري، المُجَمَّل بمقامات التصوف الخلقي الجنيدي، المعزز بمقررات المذهب المالكي المدنــي، المتميـز بإيلاء المصلحـة العامــة أهميـة خاصــة، وهي مصلحة استطاعت عبر تاريخ الأمة الطويل أن توجد مخارج شرعيـة لأقضيــة كثيرة،
وأن توحد عامة المسلمين على نمط مقنن في التعبد يحمي الجماعة
من الفتنة ويقيها شر الاختلاف.
إن علماء مملكتكم يا مولاي الذين دخلوا في السلم كافة، ليغتنمون هذه المناسبة السعيدة ليعربوا للمقام الشريف – أسماه الله – عن تقديرهم الكبير لشريف عنايتكم بمصالح أمتكم في جميع المجالات التي تهم شأن المواطنين خصوصا المجال الديني الذي أبدعتم فيه محليا على مستوى التنظيم المؤسساتي، والتأطير الديني، والتأهيل العلمي والنفسي والمالي للقيم الديني المجسد في معهدكم الخاص بتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، وتجديد الدرس الشرعي والحديثي وتقوية الصلات بصورها وألوانها التي توجتموها أخيرا بترجمة موطإ الإمام مالك رضي الله عنه إلى أوسع اللغات انتشارا وأكثرها تداولا في أشهر الجامعات ذكرا وأبسطها نِتاجا في هذا العالم الفسيح.
كما أبدعتم يا مولاي في المجال الديني دوليا على مستويات متعددة من أهمها عرض نموذج التدين الصحيح السمح المتخلق الرحيم، وإحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة التي وكل إليها أمانة التعريف بالصورة الحقيقية للدين الإسلامــــــي الحنيـــــــف؛ وتكوين الأئمة الهادين من مختلف جهات المعمور خصوصا دول إفريقيا الشقيقة والصديقة، التي يشهد أهل العقل فيها بمتانة صلتكم بها، وتواتر نفعكم للراغبين من طلابها.
إن علماء مملكتكم الشريفة، وهم يقومون بواجبهم المنوط بهم بحكم البيعة الشرعية التي تطوق أعناقهم، ليدركون قدر ما تحملوه أمام أمتهم من واجب خدمة ثوابت الأمة الجامعة بأبعادها العقدية والعبادية والخلقية، والسلوكية، والحكمية والعملية، وتثبيت الأعراف الحسنة بأشكالها ومراتبها، وتمتين أخلاق التضامن بصورها ومجالاتها،
التي بها تحفظ البيضة، وتتحق الأخوة، وتنتشر المحبة، ويشيع الأمن، وتظهر الأهداف الكبرى التي قام عليها النصح في مشيخة العلماء، لدرء الفتن الكبرى والصغرى وتحقيق جودة مظاهر التدين المثلى، وتقوية عزيمة التخلق الفضلى، التي بها تميز مجتمع اليقين؛ صادرين في كل ذلك عن شريف توجيهاتكم، جاعليها نصب أعينهم، مصغين إليها بآذان قلوبهم؛ لأداء حق أمانة الدين بشرط الوعي، وأمانة الرسالة بشرط الفهم، وأمانة التبليغ بشرط الحكمة، وأمانة القدوة بشرط المحبة، وأمانة الشهادة بشرط الإمامة التي بها يظهر التمثل المطلوب لمعالم الوراثة النبوية في التلقين والتمثيل والتمرين، المنتهية إليهم عن الخيار المجتهدين من سلفهم بسندها المتوارث، التي شاء الله تعالى أن تكون منطلقا لحماية هذه الحنيفية السهلة من مغاوي الناكثين،
وشذوذ النعارين، الذين انغمسوا في المضال، وتخوضوا في قبائح المَزَالِّ.
حفظكم الله يا مولاي بما حفظ به الذكر الحكيم، وأدامكم حصنا مكينا لهذا الدين، تصونون أبنيته الموطودة، وتحمون دعائمه المرفوعة، سائلين الحق تعالى عزه، وتقدس مجده وكرمه، أن يديم على جلالتكم لباس عزه وعافيته، ويسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، ويحرسكم بعينه التي لا تنام، ويجعلكم في كنفه الذي لا يضام، قرير العين ببشير السعد وولي العهد الأمير الجليل المحبوب مولاي الحسن، المقتفي لخير سَنن، ومشدود الأزر بصنوكم السعيد سمو الأمير المولى رشيد، إنه ولي ذلك والقادر عليه. كما نسأله تعالى أن يمطر شآبيب الرحمة والرضوان على فقيدي الأمة المغربية والإسلام مولانا محمد الخامس، ومولانا الحسن الثاني، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام على مقامكم العالي بالله ورحمته تعالى وبركاته. وحرر بالرباط يوم السبت 17ربيع الآخر 1441هـ الموافق 14دجنبر 2019م خديم الجناب الشريف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى
محمد يسف
كلمة فضيلة السيد الأمين العام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيئين وعلى آله وصحبه أجمعين . صاحب المعالي السيد الوزير أصحاب الفضيلة العلماء أعضاء المجلس العلمي الأعلى والسيدتان الفاضلتان
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
بإذن كريم مبارك من مولانا أمير المومنين صاحب الجلالة محمد السادس، رئيس المجلس العلمي الأعلى، وبمباركته لجدول أعمال هذه الدورة وموافقته الكريمة على مكان انعقادها وتاريخه، تنطلق أشغالها، إن شاء الله…فباسم الله مجراها ومرساها …
اسمحوا لي في بداية هذه الكلمة أن أرحب بمقدمكم، وأشكركم على تلبية دعوة مجلسكم للحضور في هذه الدورة وإغنائها بنشاطكم واقتراحاتكم وملاحظاتكم. إننا نشعر باعتزاز كبير وعلماء الأمة يحضرون في هذه القاعة وقد شدوا الرحلة إليها من جميع أنحاء الأقاليم والجهات. ما أجمل أن يجتمع علماء الأمة في صعيد واحد لتبادل الرأي والنظر في عمل المؤسسة وتقييمه، وتوجيه المؤسسة إلى السير على المحجة البيضاء التي يقود الأمة عليها ولي أمرها، أمير المومنين صاحب الجلالة محمد السادس أعزه الله، فمرحبا بالسادة العلماء خدام الدولة المغربية وحراس أمن هذه الأمة المغربية بتكليف من ولي أمرها أمير المومنين.
كما أحب في هذه الكلمة أن أتوجه بخالص التهاني إلى معالي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية وعضو المجلس العلمي الأعلى، بسلامة عودته من السفر الميمون الذي شد الرحلة بأمر من أمير المومنين لأداء رسالة علمية حضارية في الديار الأمريكية. كما نهنئه على ما صاحبه في هذه الرحلة من نجاح وتوفيق في أداء هذه المهمة التاريخية الحضارية ذات القيمة الكبيرة التي لا شك أن التاريخ سيفسح لها المجال وسيتحدث عنها، وسيحدث بها من لم يحضرها. الرسالة التي حملها أو حمَّله إياها أمير المومنين إلى الأوساط العلمية والنخب الفكرية والجامعية في العالم الجديد هي رسالة حضارية علمية، وهي أيضا انبعاث وانطلاقة جديدة نحو فضاءات أخرى، انطلاقة ناشئة من هذا العمل الكبير الرائد الذي يجري في بلدنا في مجال الإصلاح، الإصلاح الديني والدنيوي معا بقيادة ولي الأمة. إن الرسالة التي حملها معالي الوزير، تحمل في طياتها هذا الصدى، صدى لما يجري اليوم في ربوعنا المغربية تحت مظلة إمارة المومنين، ما يجري في هذا البلد من إحياء وبعث لصفاء عقيدة الإسلام السمحة المطبوعة بطابع الرحمة والأخوة والسلام والحكمة. هي رسالة هذه الشريعة الغراء القائمة على العدل والأخوة بين بني الإنسان أين ما كان موقعهم على الأرض. معيار التفاضل في شريعتنا وديننا هو الإيمان والعمل الصالح. على هذا الأساس يتفاضل الناس في شريعتنا وفي ديننا بصرف النظر عن ما لهم وما معهم من فضل الله عليهم، ولكنه يبقى رأس المال الذي يتفاضل الناس على أساسه.
إنها رسالة ذات أبعاد علمية روحية إنسانية. هذه الرسالة التي حملها أم حملها السيد الوزير من مولانا أمير المومنين هي التي يتهاداها صناع الأمن والسلام وبناة الجسور بالثقافات والحضارات، ذلك البناء الذي يبقى، هؤلاء البناة لا تستهلكهم المشاغل اليومية للعمل الذي يذهب، لا يشغلهم ذلك عن الاهتمام بما يبقى ويستمر، يبقى خالدا متحدثا عن الذين أنجزوه وصنعوه. فهو البناء الذي يسعى إليه كل من عرف هذه الحياة ونظر فيها بعقله وبإدراكه وبحكمته، وفضل أن يتعامل مع ما هو خالد فيها ويتجاوز عن الذاهب المؤقت. وهو البناء الذي سعى الخالدون من بين بني الإنسان، وتبناه الملوك منذ الأزل، وقال في حقه من سجله وخلده:
همم الملوك إذا أرادوا ذكرها من بعدهـم فبـألسـن البنـيان
إن البنـاء إذا تــقـادم عهــــــــده أضحى يدل على عظيم الشان
فالبنيان المشار إليه ليس فقط هو البناء بالحجارة والحديد والإسمنت، فهذا متاح لكل من له استطاعة البناء، ولكن مهمة أرباب الهمم تبقى مع بقاء الحياة، فمهما طال بناء الحجارة والحديد والإسمنت فلا بد أن ينتهي في يوم من الأيام. ولكن الفكر الخالد الذي ينفع الناس يمكث في الأرض، هو الذي يبقى دائما وأبدا، وهو الطموح الذي يحرك أرباب الطموح. فكثير من البناة بنوا بالحجارة والحديد والإسمنت وبنوا أيضا بالفكر وأسسوا حياة أخرى تستمر، ولما رحلوا عن الحياة اندثرت تلك الأبنية التي شيدوا بالحجارة والحديد والإسمنت ولم تذكر، لكن ما بنوه من العلم والفكر والإيمان والصدق والإخلاص من الأعمال الصالحة بقيت تتحدث عنهم وتحمل أسماءهم وقد ماتوا وذهبوا.
كان في حقيبة السيد الوزير، وهو يشد الرحلة إلى الديار الأمريكية، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بذرة زكية من بذور أحد ثوابتنا في هذا البلد، هدية من حضارة العلم والإيمان إلى ثقافة وحضارة أخرى لها شأنها وخصوصيتها، هذه البذرة حولت إلى تربة جديدة قد تحسن زراعتها وقد تتعهدها، وقد تنتج وتثمر وقد تعطي عطاء جيدا في المستقبل القريب أو البعيد. هي بذرة أخذت موقعها في العالم الجديد هناك، حيث تصنع أشياء لا تصنع في غير ذلك البلد. إنها عبارة عن إقامة جسر بين حضارة قديمة قدمت للإنسانية ثمار اجتهاداتها، ثم توارت عن الأنظار ولم يبق منها إلا ما يسعى المخلصون من أبنائها لإحيائه. هدية من هذه الحضارة إلى حضارة تمارس الآن وجودها، ويقطف عالم الناس اليوم ثـمار علمها واجتهاداتها، وهكذا فإن للحضارة كما للإنسان أعمارا قد تطول كثيرا ولكنها ستغادر مهما طال عمرها لتترك المجال لغيرها.
كان « موطأ » الإمام مالك هو البذرة التي حملها معالي الوزير بتكليف من أمير المومنين، الذي اعتنى بهذا المذهب، واعتنى بأصول هذا المذهب، وإحياء مواته وتراثه. ونتذكر جميعا أنه في رئاسته لأول دورة من دورات المجلس العلمي الأعلى أمر – حفظه الله – بعملين جليلين يتصلان بموضوع البعث والإحياء: أمر بتحقيق « موطأ » الإمام مالك، وقدم المواصفات التي يراها أنها لائقة أو التي تليق بمؤلف إمام الأئمة وسيد سادات علماء زمانه وبعد زمانه. كما أمر بالنظر حفظه الله في أحد أصول المذهب المالكي وهو المصلحة المرسلة، وقد تم ذلك في زمن جيد، تم تحقيق الموطأ وتم النظر في المصلحة المرسلة، وهذه من ضمن الوثائق التي يعتز بها مجلسكم العلمي الأعلى ويعتز بها علماء الأمة.
هذا الكتاب الذي هو « الموطأ » المحمول في حقيبة السيد الوزير، اسمحوا لي أن أتكلم عن السر المكنون في عمقه، والذي جعله يتحرك خلال كل العصور
ويعلن عن وجوده وعن نفسه، هذا الكتاب يحمل في طياته سر بقائه. أي عجب وأي عجب في هذا؟ أليس الذي ألفه هو مالك بن أنس الذي تشد إليه الرحلة من سائر الآفاق وتضرب إليه أكباد الإبل؟ هذا هو السر مؤلف ومؤلف.
حديث أهل المغرب عن كتاب الموطأ حديث طويل، عريض، عميق، فمنذ أن أدخله في حقيبة سفره في الزمن القديم من ارتبط اسمه بروايته، بل من ثبتت روايته لهذا الكتاب أصح رواية وأوسعها انتشارا، إنه الإمام يحيى بن يحيى الليثي المصمودي الذي أطلق عليه الإمام مالك نفسه، عندما رأى عليه معالم الحكمة والعقل والفطنة، وصف « عاقل أهل الأندلس« .
الإمام يحيى بن يحيى وضع كتابه في الغرب الإسلامي على تخوم المحيط الأطلسي هناك في الأندلس، ومن الأندلس إلى المغرب، ثم إلى أقطار شمال إفريقيا، وغيرها.
أخذ يحيى بن يحيى علم مالك سماعا من فم مالك، وأخذ كتابه المكتوب من يد الإمام مالك، أي عالم أقرب إلى مالك وإلى فقه مالك من يحيى بن يحيى الليثي؟ثم طار بعلم مالك وبمؤلف مالك إلى هذا الغرب حيث وجد التربة الخصبة والماء والهواء فأثمر ثماره، إذ جعل الغرب الإسلامي بأندلسه وبمغربه الكبير محمية مالكية خالصة لعلم مالك وفقهه ومنهجه في الاجتهاد من دون بقية المذاهب الفقهية التي بايعت فقه مالك واجتهاده وانسحبت.اعتنق المغاربة هذا المذهب واختاروه لأنه ربى فيهم روح الوحدة والجماعة، وأبعدهم عن كل ما يشوش على صفاء عقيدتهم ودينهم. إذن نزل المذهب، ونزل كتاب الموطأ، ضيفا على الغرب الإسلامي محمولا فيما حمله يحيى، وتلك رحلة هذا الكتاب الأولى من المشرق إلى الغرب الإسلامي، لكن يحيى والموطأ بقيا على الضفاف الشرقية للمحيط الأطلسي أو بحر الظلمات. لم يتجاوز يحيى هذا البحر، ما كان يدري ما وراء هذا البحر من عمران. ولكن طاب لهذا الكتاب المقام في هذا الوطن واستوطنه واستقر فيه. فهو يصدق عليه ما قال الإمام حين رحل إلى الشام ودخل دمشق حيث قال:
نزلنا بها ننوي المقام ثلاثـــة
فطابت لنا حتى أقمنا بها شهرا
ولكن هل انتهت رحلة الكتاب؟ وهل وضع عصا التسيار؟ كما يقولون، أو ما يزال يسكنه طموح الرحلة من جديد إلى آفاق أخرى من هذا الغرب في اتجاه مغرب الشمس.
أما في زمن يحيى بن يحيى فإن هذا الغرب هو أقصى ما كان يمكنأن يبلغه ما هو قادم من المشرق، هو الوقوف على شاطئ بحر الظلمات. وحتى عقبة بن نافع الفهري عندما تجول في شمال إفريقيا ووصل إلى المحيط الأطلسي قال هذه الكلمة، قال: « لو علمت أن وراء هذا البحر غزوا لخضته غازيا في سبيلك ».إذن لم يكن هناك تفكير في رحلة في اتجاه مغرب الشمس بعد رحلة يحيى.
لكن، وبعد 1400 عام، من عصر وزمن يحيى إلى زمن أمير المومنين، فتح ملف الموطأ، إيذانا بأن هذا الكتاب سيتحرك من جديد فيشق طريقه نحو فضاءات أخرى. وشاء الله لهذا الكتاب بعد تحقيقه من قبل علماء المجلس العلمي الأعلى، أن ينتقل إلى مرحلة أخرى، أن ينقل إلى لسان آخر، اللسان الأكثر انتشارا بين سائر ألسن أهل الأرض الآن، ألا وهو هذا اللسان الأعجمي الإنجليزي الأمريكي. ولذلك كان لا بد من أن يشق طريقه إلى وطن هذا اللسان.
إذا ذهب الموطأ إلى ذلك البلد فإن ثابتا من ثوابت أهلنا ومغربنا انتقل إلى هناك. ولكن انتقل فرع وبقي الأصل هنا. الأصل محفوظ بالثابت الحافظ الباقي وهو ثابت إمارة المومنين العاصمة لهذه الثوابت أي الثوابت الأربعة: (العقيدة الأشعرية والفقه المالكي والتصوف السني وإمارة المومنين) تماما كما كانت قرطبة في وقت ما وتحدث عنها أيضا من كان معجبا بها لما قال:
بأربع فاقت الأقطار قرطبــة منهن قنطرة الوادي وجامعها
هاتان ثنتان والزهراء ثالثــــــــــة والعلم أفضل شيء وهو رابعها
إمارة المونين هي رابعة الثوابت عندنا.
وجاءت لحظة الرحلة، وكما كانت رحلة الموطأ في أول رحلة لهإلى مغرب الشمس في حقيبة يحيى بن يحيى الليثي المصمودي، وبمباركة من الإمام مالك ودعواته ليحيى بن يحيى، جاءت الرحلة الثانية للموطأ أيضا بأمر ملك من ملوك الإسلام وأمير المومنين الذي بارك هذه الرحلة، وبارك هذا الكتاب الذي سيرحل إلى دنيا أخرى. وكما كان هذا الموطأ في أول رحلته حمله طالب مغربي كان يدرس هناك اسمه يحيى بن يحيى الليثي المصمودي، فإن هذا الكتاب في رحلته الثانية وبمباركة ملك المغرب أمير المومنين حمله وزير مثقف، عالم باحث هو أحمد التوفيق المصمودي، المصامدة حاضرون بقوة في الرحلة الأولى للكتاب وفي الرحلة الثانية. يكون هذا من لطيف الاتفاق، وقلما يحدث هذا في عمل علمي، ولكن لا غرابة أن يحدث هذا في الموطأ.
الآن، هذا الكتاب يأخذ موقعه في قلعة علمية عظيمة، وفي العالم الجديد، في جامعة هارفارد، فهي التي تسلمت هذا الكتاب ونزل ضيفا عليها، وهي من أشهر جامعات الدنيا والجامعات الأمريكية. قد يكون لنا حظ في وقت ما أن يحدثنا السيد الوزير عن رحلته بهذا الكتاب، وكيف كان شعوره وهو يحمله ليضعه في عمق قلاع العلم في الولايات المتحدة الأمريكية.
قد يكون لهذا الحديث الذي نتناوله الآن نبأه « ولتعلمن نبأه بعد حين » إن شاء الله. لا فرق بين مصامدة طنجة ومصامدة الأطلس الكبير كلهم مصامدة. كلهم ينتمون إلى ذلك القبيل الكبير الذي بنى إمبراطورية ساست هذا الغرب الإسلامي زمنا طويلا، وتركت على أرض هذا المغرب آثارا عظيمة، ونحن عندما نقرأ هذا العصر نبهر بالاجتهادات والابتكارات العظيمة التي سجل قلم المؤرخين بعضه واقتطف منها شيخنا وأستاذنا المرحوم محمد المنوني رحمه الله في كتابه الجليل
« الحضارة المغربية على عهد الموحدين« . وبعد، سيدي الوزير أصحاب الفضيلة السيدتان الفاضلتان
لا تعجبوا إن طال وقوفي أمام رحلة موطأ إمامنا مالك نحو الغرب الآخر، والتي تبدو أنها طالت بعض الشيء أو هكذا يبدو. ومع ذلك فإننا لا نستطيع أن نستوعب قيمة ومزايا مؤلف إمام مالك الكثيرة. لا يخفى على أحد أنه من بواكير التأليف في تاريخ الإسلام. الإمام مالك كان من أوائل المؤلفين مع طبقة من الرواد الكبار. هو كتاب من الرعيل الأول في المؤلفات. هذه التحية تحية إمام المغرب للغرب، تحية حضارية علمية.
إذن، مهما قلنا ووقفنا أمام موطأ مالك فقد وقف قبلنا علماء، باحثون رواد، وكتبوا عن هذا الموطأ وسيكتب الكاتبون بعد اليوم ولن يحاط بمناقب ومزايا هذا الكتاب وأثره. لم نبتعد عن موضوع هذه الدورة، وإذ نتكلم عن أصل ثابت من ثوابت أمتنا التي تحرسنا، فنحن في صميم مهمة دورتنا، ولكن هذه الدورة التي تداعى إلى الحضور فيها علماء الأمة قادمين إليها من شتى الأقاليم والجهات، حضروا من أجل أن ينظروا في ثمار عملهم. لأن هذه الدورة هي الثامنة والعشرون من دورات المجلس. إذن المؤسسة قطعت أكثر من عشرين خطوة على الطريق:
مشيناها خطى كتبت علينــا
ومن كتبت عليه خطى مشاها
هذه الدورة تقول لنا: ماذا فعلت الدورات السابقة؟ وماذا فعلتم بما تحدثتم عنه والتزمتم به في الدورات السابقة؟ هذه الدورة تطلب من علماء الأمة أن يتفقدوا شيئا ما من عملهم، هل وضعوا شيئا على الأرض؟ هل وضعوا صناعة على الأرض؟ ماذا صنعوا في هذا الإنسان المغربي؟ لا شك أننا جميعا نعرف أن أمير المومنين – أعزه الله – عندما جعل في كل إقليم مجلسا علميا، كأنه كان يرى أنه عندما يضع مجلسا علميا في تربة إقليم من الأقاليم فإنه سيكون قد غرس شجرة هناك، شجرة تورق وتزهر وتثمر، ويقبل الناس عليها لجني الثمار والاستفادة منها، وإذا فعلوا ذلك وذاقوا ثمارها فإنهم سيحيطونها بالرعاية والخدمة، ويكونون خداما لتلك الشجرة يدفعون عنها كل الآفات.
فهل مجالسنا هي أشجار مثمرة في مجالها؟
هذا سؤال يجب أن نضعه على أنفسنا …
هذه الدورة كأنها تقول لنا: أنا الآن في العد ثمانية وعشرون، لكن قولوا لي: ماذا فعلتم بما تحدثتم عنه في الدورة السابعة والعشرين، والسادسة والعشرين والخامسة والعشرين، والرابعة والعشرين في العد التنازلي لهذه الدورات حتى نصل إلى الدورة الأولى. هل حدث شيء على الأرض؟ أقول: نعم، حدث للعلماء وجود على الأرض، لهم حركة، لهم عمل نقدره، ولكنه أقل مما يطمح إليه العلماء، وأقل مما ينتظره المنتظرون.
انتظارات ولي أمر الأمة بالدرجة الأولى كبيرة. هل استطاع المجلس
أن يمتلك قلب أهله في محله؟ هل استطاع أن يستقطب شباب المحل، وفتيات المحل، وكل فئات ذلك المحل، مدينة كانت أو قرية؟ هل استطاع المجلس أن يحقق هذا؟
قد يكون هذا مطلبا من المطالب لابد أن نصل إليه ولابد أن نحققه.
لابد لتلك الشجرة أن تصبح شجرة عظيمة، ودوحة كبيرة يستظل الناس بظلها وينتفعون بخيراتها. هذا هو المجلس، فالمجلس ينبغي أن يكون كبيرا في محله ودوحة كبيرة في محله. هذه الدورة تسألنا عن هذا. تقول لنا هاتوا برهانكم، قولوا لي ماذا ستفعلون بي؟ لماذا جئتم؟ ماذا فعلتم في الدورات السابقة؟ اسمحوا لي أن أتكلم بقلب مفتوح مع إخواني الذين أعرف أن قلوبهم مفتوحة أيضا، ويحبون ويتحدثون كما أتحدث الآن معهم، واغتنمت هذه الفرصة لأن هنا في هذه القاعة علماء الأمة، أي الذين وهبوا أنفسهم لخدمة أمتهم، ليس لديهم مشروع آخر يشتغلون عليه،
هذا هو عالم الأمة: سخر علمه ووقته وعقله لخدمة أمته، وخدمة وحدة أمته، وجمع شمل أمتـــــــه، ورفاهيـــــة أمته وراء إمامها الأعظم. عالم الأمة أطلقه العلماء قديما
على العالم الذي تفرغ لخدمة أمته. ربما كان الإمام الزهري هو أول من أطلق هذا الوصف على عالم من علماء زمانه. سئل الإمام الزهري عن عالم من علماء العصر اسمه قبيصة بن ذؤيب، وقبيصة هذا كان مستشارا كبيرا لعبد الملك بن مروان،
سئل عنه الإمام الزهري: ما رأيك في قبيصة؟ قال: إنه من علماء الأمة. وطبعا كان هناك في عهد الزهري علماء لا يخدمون الأمة كما يخدمها علماء الأمة،
كانت عندهم مشاريع أخرى يشتغلون عليها، وكان منهم من يشتغل لنفسه،
ومنهم من يشتغل لفئة من الفئات أو لجهة من الجهات. لكن عالم الأمة يتفرغ ويفرغ نفسه ويجعل كل وجوده لخدمة الأمة.
جئنا إلى هذه الدورة بعد أن قدمنا حساب المرحلة السابقة عما فعلنا
في السنة السابقة وفي الموسم السابق، عندما هيأنا التقرير السنوي الذي جمع عمل مجالسنا المنبثة في كل أرجاء هذه المملكة. تقارير المجالس العلمية المحلية هي
التي جمعها التقرير الشامل الذي وضع بين يدي أمير المومنين بمناسبة إحياء ذكرى مولد الرسول عليه الصلاة والسلام برئاسة أمير المومنين الذي كان هذا العام
في مراكش. ومعالي الوزير، عضو المجلس العلمي الأعلى، هو من قدم هذا التقرير،
لأنه هو الذي ينظر في العمل الإسلامي في هذا البلد نظرة شاملة. قدم عطاء المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية في أربعة أجزاء ضخمة، وألقى بالمناسبة عرضا مختصرا، ولكنه جامع، تحدث فيه عن الإشراقات التي أشرقت في هذه السنة التي ودعناها. إذن نحن الآن قدمنا حسابنا في التقرير السنوي الذي رفع إلى أمير المومنيـــــن، وجئنــــا الآن هنا من أجل أن نفكر ونهيئ مشروع العمل للسنة المقبلة،
لكن إلى جانب ذلك لابد أن نقول: أربعة أجزاء في التقرير السنوي عمل ضخم.
كل من ينظر في تلك الأجزاء لا يسعه إلا أن يعترف بأن المؤسسة العلمية،
بمجلسها الأعلى وبفروع هذا المجلس في الأقاليم، لابد أن يعترف بأن هناك وجودا علميا حقيقيا عرفته هذه الأقاليم. لكننا نتساءل عن ماذا أحدث في الإنسان؟
هذا التساؤل ينبغي أن يرافقنا في كل مراحلنا وفي كل خطوة نخطوها.
كنت أود أن أقرأ خلاصة لذلك التقرير ولكن خفت أن أطيل أكثر مما أطلت الآن.
لقد أطلت، لكن مع ذلك ما زال عندي ما أقول:
الذي لا أحب أن يفوتني وأنا أجتمع مع إخواني العلماء الذين يساهمون
في صيانة الوجود المعنوي لأمتهم وحمايته، أقول لهم إنه قد توفر للمؤسسة العلمية وللعلماء ما لم يتقدم أن كان العلماء يتمتعون حتى بعشر من أعشار ما هو موجود ومتاح لهم وموضوع رهن إشارتهم الآن. أنا لا أتحدث عن الميزانية،
ولكنني أتحدث عن الثروة البشرية الرائدة والعظيمة والضخمة التي توضع رهن إشارة المجالس العلمية، والتي تتخرج من هذا المعهد الذي نقيم دورتنا فيه الآن،
معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات. في كل عام يتخرج
من هذا المعهد فوج من شباب الأمة، وفتيات الأمة وجميعهم في الأصل خريجو الجامعة. هؤلاء الذين يدرسون ويأتون إلى هذا المعهد كلهم جامعيون، تخرجوا
من الجامعة، وفيهم من يحمل شهادات عليا، ويعيشون هنا سنة كاملة، يتلقون فيها ما يتلقــون من المعارف، وفي نهاية المطاف يوزعون على المجالس العلمية في أقاليم المملكة. هذه الثروة الهائلة، لا يحلم بها أحد؛ لا يحلم بها أي تنظيم من التنظيمات الموجودة، إنه في كل سنة يأتي للمؤسسة العلمية مدد من شباب الأمة، وكلهم عزم وحزم. يمكن للمجالس العلمية أن تحقق بهم المعجزات العلمية والإصلاحية، يمكن أن تحدث فعلا تلك الصحوة التي نتحدث عنها. كما يمكن أن يحدث
شيء كبير عن طريق هؤلاء الشباب المتخرج. فهذا أيضا يسائلنا ماذا فعلنا لهذا الشأن؟ هؤلاء الشباب عندما يأتون إلى المجلس العلمي في الإقليم الذي يعينون فيه يتوقعون أنهم سيجدون مجلسا لشيوخ العلم، يجدون شيخا من شيوخ العلم، يتعلمون منه، من علمه ومن تربيته ومن سلوكه ومن أخلاقه، هذا هو تصورهم. فأنا أعيش مع بعضهم فهم يقولون نحن سنستكمل تكويننا مع شيوخنا هناك، عندما يتم تعييننا هناك. فهل هذا واقع في أقاليمنا وفي مجالسنا؟ هل نستثمر هذه الثروة البشرية الهائلة التي تكونت وبتكلفة عالية وكبيرة جدا، حين توضع بين أيدي علمائنا في أقاليمهم، في مجالسهم، وفي محلهم؟ فتيات شابات، وشبان في عز الشباب وفي أوج العطاء. إنها مسؤولية كبيرة، كان بإمكاننا أن نجعل هذه الدورة خاصة بهذا الموضوع فقط، نتحدث عن ما ربحناه من شباب الأمة – الآن هذا الفوج هو الخامس عشر – يعني جيش من شباب الأمة وفتياتها هو موجود الآن في الميدان عندكم أيها العلماء في مجالسكم. هذه واحدة، والثانية أننا نلاحظ أن فهمنا لمهمة المجلس، ولمهمة شيخ المجلس، وأعضاء المجلس، لايزال في حاجة إلى تعميق. والوثيقة التي صدرت وعنوانها « سبيل العلماء » هي التي تعطـــــي الوعــــي الحقيقـــــي بمسؤوليــــــة العالـــــم في أمتـــــه، ولاسيما ما يتعلق بما عنون في ذلك الوقت بالأمانات. هذه الوثيقة ينبغي أن تكون عندنا محفوظة حفظا كاملا وعن ظهر قلب، ويجب أن نتذكرها دائما. هذا أيضا موضوع يحتاج إلى جلسة طويلة. لا بد إخواني أن نتناصح وقد أمر الله عز وجل بذلك عندما قال عز من قائل:
« والعصر إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر » فنحن نلتقي هنا لنتواصى. إن الزمان يمر بسرعة مذهلة.
أمير المومنين محمد السادس عندما بدأ عمله، استحضر مسؤولية الإمامة العظمى، مسؤولية العرش، ماذا ينبغي أن يحقق على الأرض؟ مر الآن عشرون عاما، ويتحدث الناس عن الإنجازات الكبيرة التي تحققت في عهد محمد السادس، فنحن أيضا ينبغي أن نتحدث عما حققناه وقد مضى على عملنا تقريبا ستة عشر عاما أو يزيد
ونحن برفقة صديق عزيز يسعى إلى أن يكون العلماء في قلب مجتمعهم، في قلب أمتهم، في قلب وطنهم، هذا هو التحدي الكبير حتى نحقق ذلك. ولكننا نتفاءل،
لا بد أن نستحضر أنه علينا أن نشتغل أكثر وأن نطور عملنا ونتعاون،
وإلا لماذا هذه الدورات التي نجتمع فيها؟ أليس لأن نتواصى وأن نحاسب أنفسنا؟ هذه هي المهمة الكبيرة.
إخواني، معالي الوزير، قبل أسبوع وبالضبط يوم الجمعة الماضي أحيا المغرب ذكرى وفاة أمير المومنين جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، فقد مر على وفاة هذا العاهل العظيم أكثر من عشرين عاما، والعلماء لهم
نصيب في تاريخ هذا الرجل الذي اختاره الله لجواره، فهو أول رئيس لمجلسنا الأعلى بل هو الذي وضع لبنة الأساس لهذا التنظيم: المجلس العلمـــي الأعلـــــــى
والمجالس العلمية، هو أول من دشن هذا العمل. هذا الملك لم يكن العمل سهلا في زمانه، كان هناك في الدنيا ولاسيما في البلدان الهشة إرهاب إيديولوجي، وكان هناك صراع كبير بين الإيديولوجيات، فكيف عمل الحسن الثاني على الخروج منها وبشعبه وأمته سالما؟ لم يحدث لبلدنا أي ألم مما وقع ومما حدث للآخرين، ذلك لأنه ركن إلى سياسة المسيرات. فالحسن الثاني ليس له فقط المسيرة الخضراء، مسيراته كثيرة جدا. مسيراته كلها ركن فيها إلى دين الله لأنه كان يثق في دين الله، كان عنده هذا الوثوق الكبير.
فكان الناس يتعلقون بالناس لنجدتهم، أما هو فكان يتعلق بخالق الناس، رب الناس، لذلك صنع تلك الفترة وأنجز إنجازات عظيمة، أليس هو الذي أخرج الدروس الحسنية الرمضانية العلمية التي كانت غائبة في الناس؟ أليس هو الذي أسس دار الحديث الحسنية التي تخرج منها عدد من شباب الأمة ومن علمائها؟ ومعنا عدد كبير منهم. وضع هذه المسيرة العلمية الكبيرة، ومسيرات أخرى له. بذكرى وفاته نتذكر هذه الأعمال العظيمة التي كان يصنعها ملوكنا وأئمة أمرنا وقواد سفينتنا. ولكن كان علماؤنا مع ولاة أمرهم، كانوا إلى جانب الحسن الثاني في زمنه، وفي وقته كان بإزائه صفوة من العلماء يقربهم ويصغي إليهم، ويستشير معهم في كثير من القضايا وهم أيضا كانوا يعرضون عليه بعض القضايا التي كانت تقلقهم، وكان يستجيب لطلباتهم. ملوكنا هم هكذا في تاريخنا. ثم هذه المسيرة
التي بدأها الحسن الثاني أخذها ولي أمرنا الآن، وارث سر الحسن الثاني وسار بهذه المؤسسة، ورفع هذا الصرح العظيـم والشــــأن الدينــــــــي الذي نعيشــــــه الآن، بما فيه هذا الصرح الذي نجتمع فيه هو مظهر من مظاهر الصحوة الكبيرة التي قادها محمد السادس، وما يتخرج من هذا المعهد، الذي شد إليه أنظار الدنيا، فما من زائر أجنبي له فكر إلا ويبدأ بزيارة هذا المعهد ليرى ماذا يتحقق داخل فصوله وأقسامه.
هذا هو المغرب، والمغرب كان دائما بملوكه العظام، وبعلمائه وبالمخلصين من أبنائه، ولكنني الآن ألقيت المسؤولية مباشرة على عاتق العلماء، فهم يودون
أن يسمعوا الشيء الكثير عن العلماء، أن يشاهدوا الشيء الكثير على الأرض صنعه العلماء، وإلا فإنهم لا يسكتون. لابد أن يتكلموا عن العلماء ولابد أن يذكروا العلماء، ولابد أن يقولوا في العلماء ما يحبه العلماء وما لا يحبونه أيضا.
معالي الوزيرأصحاب الفضيلة السيدتان الجليلتان
أود أن أطلب منكم بعد هذه الدورة الثامنة والعشرين، أن نستحضر دائما في مجالسنا العلمية وفي كل حركاتنا وأنشطتنا، أن الوقت قصير، وهو يطير من بين أيدينا، فينبغي أن نصنع في هذا الزمن شيئا يبقى متحدثا عن علماء الأمة في هذا العصر.إذن العلماء الآن يصنعون تاريخهم وسيتحدث عنهم هذا التاريخ بعد قليل، فماذا سيقول التاريخ عنا؟ هذا هو سؤالي. ولذلك أحب وأطلب أن نبدأ عملا جديدا أكثر سرعة، وأن نسرع خطواتنا على الطريق أكثر حتى نستدرك ما فاتنا. هذا ما أحببت أن أقوله في هذه الجلسة معكم. وأشكركم. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
كلمة معالي الوزير
تقارير اللجان
تقارير اللجان
الهيأة العلمية المكلفة بالإفتاء؛
لجنة الأئمة المرشدين والمرشدات؛
لجنة دليل المؤسسة العلمية؛
لجنة برنامج العمل السنوي؛
لجنة المصادقة على ميزانية السنة المالية 2019.
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين افتتح المنسق الاجتماع بالتذكير بالمهمة الجليلة المنوطة بالهيأة في مجال الإفتاء، وذكر أنها، ومنذ انعقاد الدورة السابعة والعشرين للمجلس بالرباط،
توصلت بنحو خمسين مطلبا للفتوى، عقدت لدراستها وإبداء الرأي فيها من المنظور الشرعي ثمانية اجتماعات. وهذه المطالب، منها ما يتعلق بقضايا الشأن العام، وهو القليل،
وما يتعلق بقضايا المقابر، وهو الغالب والكثير، ومنها ما يتعلق بأسئلة المواطنين في مسائل مختلفة. وهذه المسائل الواردة من عامة المواطنين يحال بعضها على المجالس العلمية المحلية لكونها مسائل فقهية عادية، معلومة فقها لدى العلماء الأفاضل في هذه المجالس، وبعضها تتولى الهيأة الإجابة عنها.
وفي هذا الصدد، ومن المسائل ذات الشأن العام، التي وردت على الهيأة خلال سنة 2019:
مسألة تعديل بعض مواد القانون الجنائي، والنظر فيما يمكن أن يكون فيه مما قد يخالف الشرع؛
مسألة إعفاء الوثيقة العدلية من خطاب القاضي، حيث نوقشت في هذا الاجتماع مناقشة موسعة، وخلصت اللجنة إثرها إلى القول بجواز ذلك لاعتبارات ودواعي مذكورة في نص الجواب الفقهي المتضمن للفتوى في الموضوع؛
مسألة خمسة قبور بمقبرة في مدينة تطوان، يراد نقلها وتحويلها من مكانها لغاية إقامة مشروع مجتمعي واسع بالمدينة، قررت اللجنة عدم جواز نقلها؛ مسألة تحويل خمسة مقابر بإقليم شيشاوة لغاية تشييد سد بولعوان تحتوي في مجموعها على سبعمائة وخمسين قبرا (750 ق)، قررت اللجنة في شأنها تعيين عضوين من اللجنة ورئيس المجلس العلمي المحلي للقيام بمعاينة لموقع السد وحقينته، والمقابر التي توجد فيه واستيعاب ذلك بتفصيل. وأعضاء هذه اللجنة هم أصحاب الفضيلة: آيت علي، والحسين آيت سعيد، وعبد الحق الأزهري؛
مسألة تحويل بعض المقابر في طنجة والجديدة وغيرها، قررت اللجنة عدم تحويلها، كما سبق في اجتماع قبل هذا؛
مسألة الوصية لأولاد الأبناء (أي لأحفاد الموصي)، خلصت اللجنة إلى أنه حسب عبارة الوثيقة: « ثلثه لأولاد كل منهم، فإن الثلث يقسم على عدد أبناء الموصي الثلاثة لفائدة أولادهم الأحفاد، بصرف النظر عما يكون لكل واحد من أبناء الموصي من ولد واحد (حفيد) أو أكثر ». فهذا ما تمت دراسته، وخلصت إليه اللجنة من آراء فقهية في المسائل المذكورة، حسبما يقتضيه المنظور الشرعي لكل مسألة منها.
بسم الله الرحمن الرحيم،
والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين
عقدت لجنة الأئمة المرشدين والمرشدات اجتماعها الخاص لمناقشة الورقة المعدة من طرف الأمانة العامة للمجلس العلمي الأعلى. وقد حضر الاجتماع أكثر من أربعين عضوا، ناقشوا الورقة وأغنوها بملاحظاتهم واقتراحاتهم، وقد أثمر الاجتماع التقرير الآتي:
يستمد بلدنا تميزه في تدبير الشأن الديني من توجيهات مولانا أمير المؤمنين محمد السادس حفظه الله وأعز أمره، الرامية إلى جعل هذا الحقل مهيئا للإنبات الراسخ الجذور الطيب الثمار البادي الأثر على معالم الشخصية المغربية الحاملة للقيم البناءة والفكر المتزن والعقيدة السليمة والسلوك السوي، توجيهاتٌ سامية التقطت مقاصدَها حكمةُ الأمانة العامة للمجلس العلمي الأعلى لتحولها وبتنسيق تام ومحكم مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إلى برنامج عمل يحمل المعالم الكبرى المحددة لآليات تنزيل السياسة المولوية الكفيلة بتحقيق الإصلاح المنشود والارتقاء المطلوب، ويترجم هذه المعالم إلى اجتهادات ومبادرات تجبر الأعطاب، وتدعم المكتسب، وتعزز المنجز وتقترح الممكن وتمضي به إلى أسباب الكمال.
وحتى يتحول الطموح إلى واقع عملي تتحرك آلته نحو الفعل والتنزيل والأجرأة، عملت دورات المجلس العلمي الأعلى على توجيه مقرراتها نحو التعبئة القوية الموجهة إلى الرفع من وتيرة العمل، ومنسوب الجهد، وكثافة الاقتراح، وقوة الحضور، والإيجابية من جانب العلماء في قضايا أمتهم وهموم مجتمعهم، واتخذت الأمانة العامة إلى ذلك سبلا وقنوات وطرائق اشتغــــــال يتقدمهـــا إحـــــداث لجـــــن متخصصة تتولى النظر في الملفات الكبرى التي تقع في صلب اهتماماتها واختصاصاتها، ومنها لجنة عمل الأئمة المرشدين والمرشدات.
عطفا على ما تقدم من إرادة حفظ الشخصية المغربية المسلمة المتزنة؛ وإدراكا لمركزية دور الأئمة في تحقيق هذا المطلب؛ ووعيا بقدرة خطابهم على التأثير في الناس وتوجيههم وإقناعهم بالنظر إلى ما يتمتعون به من رفعة قدر وعلو منزلة تجعلهم مرجع الناس الذي يثقون به، وقدوتهم التي يتأسون بها؛ وإدراكا لأهمية التكوين النوعي لهذه الشخصية المؤثرة كي يستقيم لها التأثير إيجابيا في عالم يعج بالمتناقضات، ومن فوضى المرجعيات، ومن تعدد التوجهات والتيارات مما يجعل صون الهوية مطلبا عزيز المنال دونه المزيد من التضحيات ومن تسخير الطاقات.
وإن تعزيز المشهد الديني المغربي بمعلمة معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات ليعد من تجليات هذا التسخير وآلية للتمكين،
عندما تغطي أفواج المتخرجين ربوع المملكة الشريفة ماضية في تحقيق رسالة المعهد تأطيرا وتكوينا بما يرتقي بكفاءة الأئمة وجودة أدائهم، ويحفظ للمسجد رسالته الروحية والتربوية والتنويرية، وينأى به عن كل استغلال من شأنه أن يوقع في الفتن.
ولقد برهنت الخبرة المغربية على فرادة تجربتها بما أثمرت من نتائج طيبة تجلت ملامحها الأساسية في حسن التزام الأئمة بالثوابت الدينية والاختيارات الوطنية التي أجمع عليها أهلنا منذ قرون، وفي تطوير وعيهم بأهمية انخراطهم في التنمية الشاملة التي يقودها أمير المؤمنين.
وإذا كان لهذه التجربة تميزها وألقها اللذان صارا موضعَ اهتمام ومرجعَ استلهام، فحري بها أن تلهمنا أسباب الارتقاء والتجويد والإحسان التي نقترح منها:
ـ تعزيز آليات التعاون والتنسيق بتكثيف التواصل بين الأئمة المرشدين والمرشدات على مستوى الجهة الواحدة وكذلك على صعيد مختلف الجهات،
عبر تنظيم لقاءات تواصلية وتنظيم أيام دراسية وندوات تكوينية تتلاقح فيها الأفكار وتعرض فيها التجارب للدراسة والنقد والاستثمار،
وتناقش فيها صيــــــــــــغ الإبداع والتطوير، فلا شك أن ثمرات هذا الجهد المبذول بنفس وحس الفريق وبحسن التدبير للأوقات والموارد والجهود عائدة بالخير العميم ؛
– تتبع سير تنفيذ المهام الموكولة إلى الأئمة المرشدين والمرشدات
من خلال البوابة الإلكترونية، ورفع جودة أدائها وكفاءتها: برمجة، وتقويما، واستثمارا، مع معالجة المشاكل التقنية بالمنظومة وتطويرها؛
– إنجاز مصوغات التكوين المستمر لفائدة الأئمة المرشدين والمرشدات لإثراء رصيدهم العلمي والمهاري، وتنمية كفاءتهم في أداء رسالتهم التأطيرية؛
– الاسترشاد بتقارير السادة العلماء المشرفين على عمل الأئمة المرشدات والمرشدين، واستثمار توجيهاتهم، والانتفاع بنقدهم للعمل، وتمحيصهم للأداء، وتقويمهم له في أفق التطوير والتجويد والارتقاء؛
– اقتراح اعتماد التعيينات الجهوية ما أمكن ذلك ضمانا للاستقرار النفسي والاجتماعي ولمردودية أكثر ولعطاء أوفر؛
-تفعيل التنسيق التام بين المجالس العلمية والمندوبيات الإقليمية
للشؤون الإسلامية في كل ما يتعلق بعمل المرشدين والمرشدات، خاصة ما يتعلق بالتقييم والرخص الإدارية؛
– تذكير الأمة المرشدين بضرورة الالتزام بالهندام اللائق والسمت الحسن؛
– إعادة النظر في المهام المسندة للأئمة المرشدين بتوسيع نطاقها بالمنظومة؛
– توفير دلائل مرجعية ومذكرات للأئمة المرشدين والمرشدات
قصد القيام بمهمة التأطير على أحسن وجه، خاصة دليل الإمام المرشد والمرشدة؛
– الدعوة إلى مساعدة المجالس العلمية في الاستفادة من المعطيات المخزنة في المنظومة.
بسم الله الرحمن الرحيم،
والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين
وبعد، فقد عقدت اللجنة المكلفة بالنظر في دليل المؤسسة العلمية اجتماعها بهدف الوقوف على الآليات التي سطرها الدليل للارتقاء بعمل المجالس العلمية (جهويا ومحليا)، والتمكن من تقويم اشتغالها بناء على مرجعية منضبطة، ورؤية واضحة المعالم، وموحدة المنهج.
حيث ثمنت هذه اللجنة مشمولات الوثيقة وآفاقها، وهي:
أولا: الأهداف، والتي تتلخص في مدى انسجام برامج عمل المجالس العلمية المحلية مع الوثائق المنظمة لاشتغالها، ومدى مواكبتها للمتغيرات والمستجدات المحلية والوطنية، مواكبة منضبطة بالتصور الذي تؤسس له هذه الوثيقة؛
ثانيا: التمكين من تتبع التنفيذ المحكم لخطط المجالس، المبنية على مرجعية الدليل، واعتماد آلية معلوماتية داعمة لتقويم التتبع.
دون الغفلة عن التحسيس بالتحديات الواقعية بقصد التبصير بها، والتخطيط لتجاوزها أثناء وضع خطط العمل، وتسطير البرامج، وترتيب التدخلات، بقصد ضمان تغطية جميع المهام المنصوص عليها في الوثائق المنظمة، وإكساب المجالس العلمية المحلية القدرة على مسايرة المتغيرات الاجتماعية والثقافية بالمحيط العام والخاص، في أفق بلورة رؤية استراتيجية، وتصور واضح وجامع يؤطر مناهج الاشتغال الميداني.
وللتنزيل الصحيح لمقتضيات هذا الدليل الذي يشترط له مراعاة الواقع، اقترح تعضيده بدليل آخر يعرف بمحيط المجالس العلمية المحلية، وما تزخر به
من إمكانات، وتتفرد به من خصوصيات، وتسهم في تهيئته المجالس العلمية المحلية تعريفا من كل واحد منها بجهته، لتكتمل الرؤية الممكنة من تحديد الأولويات بناء على الاحتياجات الدينية والمعرفية والتربوية الحقيقية لكل جهة، لضمان نجاعة التنزيل المنطلق من مرجعية الدليل.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين
والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد فقد التأم أعضاء لجنة برنامج العمل السنوي للمجالس العلمية للنظر في أمرين اثنين:
الأول: البرامج السنوية التي هيأتها المجالس لعام 2020، وقدمتها للدورة العادية الثامنة والعشرين التي انعقدت في الرباط بتاريخ 16/17 ربيع الثاني 1441هـ، 13/14 دجنبر 2019م.
الثاني: أجوبة المجالس عن مذكرة الأمانة العامة المتعلقة بواقع الشرط وتثبيته ودعمه.
وبعد تدارس الأعضاء ومناقشتهم للموضوعين خلصوا إلى الآتي:
1.البرامج المقدمة للجنة تدل على استحضار مقتضيات المراجع المؤطرة لعمل المجالس، وفي مقدمتها الظهير الشريف المنظم لعمل المؤسسة العلمية، والتوجيهات الملكية السامية، والنظام الداخلي للمجالس، ومقررات دورات المجلس العلمي الأعلى، ومذكرات الأمانة العامة وتوجيهاتها، واستذكار طبيعة رسالة الخالق التي يتحمل العالم مسؤولية المشاركة في تبليغها للمخلوق في محيطه بصدق وأمانة؛
أنشطة المجالس العلمية والثقافية والاجتماعية الواردة في البرامج تعبر عن كونها آليات تسهم في خدمة الثوابت الدينية والاختيارات المذهبية والسلوكية وقضايا الوطن، وتستهدف سائر شرائح المجتمع، من قيمين وأطفال وشباب ونساء ورجال. كما تعبر عن التراكم الحاصل لدى المجالس من حيث الاسيتعاب والتنزيل، مما يدل على أن المجالس قد خطت خطوات مهمة في هذا الصدد؛
الأماكن والفضاءات التي تنجز فيها الأنشطة:
مقرات المجالس والمساجد ومؤسسات أخرى تعليمية وتربوية وسجنية وإعلامية؛
4.يشارك في القيام بالأنشطة الرؤساء والأعضاء والعضوات والواعظون والواعظات والخطباء والأئمة المؤطرون والمرشدات، وطائفة أخرى من العلماء والأساتذة، وبعض الداعمين والمتعاونين مع المجالس؛
معالجة بعض القضايا والمسائل تختلف مستويات تدبيرها تبعا للخصوصيات الجغرافية، واتساع دائرة الاشتغال وضيقها؛
تنجز بعض المجالس معظم ما سطر في برامجها، وتضيف إلى ذلك أعمالا أخرى تقتضيها المصلحة؛
عامة موضوعات الاشتغال التي تشترك المجالس في معالجتها يمكن تصنيفها إلى ثلاثة محاور أساسية هي:
أ – تعليم وتربية وإرشاد وتكوين؛
ب – أنشطة ثقافية؛
ج – أنشطة اجتماعية.
مع العلم أن بعض الموضوعات تصلح معالجتها لأكثر من محور، كالمحاضرات والندوات والبرامج الإعلامية والمسابقات العلمية والثقافية.
ومما يدرج في المحور الأول:
– التزكيات التي تسلمها المجالس في حفظ القرآن الكريم والإمامة والخطابة والوعظ والإرشاد وتأطير الحجاج؛
– دروس الوعظ والإرشاد؛
– التكوين المستمر من خلال ميثاق العلماء، ودليل الإمام والخطيب والواعظ، وتدريس بعض المواد كالفقه واللغة؛
– الأجوبة عن الأسئلة المتعلقة بالعبادات والمعاملات والأخلاق؛
– تعليم القرآن الكريم؛
العناية بالحديث والسيرة؛
محاربة الأمية.
ومما يدرج في المحور الثاني:
الندوات والمحاضرات والمسابقات الثقافية وعمل المكتبات وإصدار الكتب والمجلات والمطويات والبرامج الإعلامية.
ومما يدرج في المحور الثالث:
إصلاح ذات البين؛
الزيارات التفقدية لبعض المؤسسات التي تحتاج إلى رعاية،
كدار المسنين، ودور رعاية الطفولة، ودور الطالبات والطلبة.
ويضاف إلى المحاور الأساسية المذكورة أنشطة أخرى جهوية،
وتتم على الخصوص في شكل ندوات وتظاهرات علمية، وبعض الأعمال التي يتم فيها التنسيق مع المندوبيات، والتواصل والانفتاح على المؤسسات الرسمية.
ومما يجدر بالمجالس العلمية إيلاء المزيد من العناية به ما يلي:
وضع مبدإ الاستعانة بالأئمة المرشدين والمرشدات خريجي وخريجات معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات ضمن أولويات المجالس العلمية أثناء وضع برنامج العمل السنوي، على اعتبار أن هذه الفئة من الفئات المؤهلة القادرة على تنفيذ وتنزيل مقتضيات برامج وخطط العمل السنوية؛
الحرص على إيلاء الخطبة المنبرية الاهتمام اللازم باعتبارها الآلية التوجيهية الإصلاحية الأكثر تأثيرا؛
بذل مزيد من العناية بالناشئة طفولة وشبابا وقاية وتنمية،
اعتبارا لما تعقده المؤسسة العلمية على هذه الفئة المجتمعية
من أمل في الانخراط الإيجابي في دعم الأمن الروحي للمجتمع واستقراره وإصلاحه.
الثاني: أجوبة المجالس عن مذكرات الأمانة العامة في موضوع نظام الشرط وتثبيته ودعمه:
عالجت الأجوبة واقع الشرط وتشخيص أحواله وتقديم بيانات وإحصاءات في الموضوع. وأتت على أسباب ضعف الإقبال عليه والعوامل الكفيلة بتثبيته واستمراره، باعتباره موروثا أصيلا ومعطى حضاريا متجذرا في الثقافة والعرف.
وفي هذا الصدد قدمت اقتراحات من شأن تنزيلها صيانة ودعم مبادئ وقيم التكافل المجتمعي.
ومن الله التوفيق.
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على مولانا رسول الله المصطفى الأمين
وعلى آله وصحبه أجمعين
في إطار اختتام أشغال الدورة الثامنة والعشرين للمجلس العلمي الأعلى بحضور ومشاركة السادة الآمرين المساعدين بالصرف،
وبعض رؤساء المجالس العلمية المحلية، اجتمعت لجنة الميزانية، بتنسيق السيد محمد كنون الحسني وبحضور السيد رئيس الشعبة المالية. وذلك يوم السبت
17 ربيع الثاني 1441هـ الموافق لـ 14 دجنبر 2019م.
انطلقت أشغال الجلسة، بعرض تمهيدي تأطيري من قبل رئيس الشعبة المذكورة تضمن محورين رئيسيين:
قراءة في الجانب التشريعي لميزانية سنة 2020؛
قراءة في مشروع ميزانية سنة 2020.
عقب ذلك، تم الانتقال إلى تناول الوثيقة المرجعية، الصادرة
عن الأمانة العامة للمجلس العلمي الأعلى – مشكورة على جهودها الجبارة ومبادراتها الكريمة أدبيا وماديا ولوجيستيكيا -.
بالنسبة للنقطة الأولى، أبرز السيد رئيس الشعبة المالية الأسس التشريعية لمشروع ميزانية 2020، مبديا ضرورة الأخذ بعين الاعتبار رمزية المؤسسة العلمية، واستحضار توجهات مولانا أمير المومنين أعزه الله،
ثم التشريعات الجاري بها العمل في هذا الشأن، مشيرا إلى أن ميزانية
هذه السنة عرفت تطورا يتماشى ومبدأ الجهوية.
النقطة الثانية: تفضل بقراءة مركزة لمضامين ميزانية 2020،
مبرزا معالمها التي من أهمها العناية بالجانب العملي التأطيري،
ومبديا استعداده التام للمواكبة والتتبع اليومي لصرف الميزانية محليا وجهويا.
بعد ذلك، فتح باب المناقشة، فتدخل عدد من السادة الرؤساء الذين اتفقوا على ما يلي:
إن أثر الجهوية في صرف الميزانية كان لها دور في تجاوز إكراهات عديدة كانت تعترض عمل الآمرين المساعدين بالصرف، مشيدا بدور الشعبة المالية؛
بذل المزيد من دعم عمل الآمرين المساعدين بالصرف من خلال التزويد بالموارد البشرية، ودعم التكوين المستمر للموظفين؛
اعتبار خصوصية بعض الجهات؛
تطوير ميزانية المجالس والعناية بشكل أساس بالوعاظ والمحفظين والمحفظات، وفق إجراءات تشريعية واضحة؛
إحداث وحدة جديدة بالمجالس العلمية المحلية مكلفة بالقيمين الدينيين، وإضافة موارد بشرية للقيام بهذه المهمة.
إعادة الهيكلة الإدارية للمجالس العلمية المحلية وفق ما جد من التشريعات الوطنية؛
عقب ذلك تدخل السيد رئيس الشعبة الإدارية والمالية فشكر جميع المتدخلين، مؤكدا على أن ما تم تحقيقه في مجال صرف الميزانية كان بفضل ملاحظات السادة المنسقين الجهويين، وأن الأمانة العامة على استعداد تام للعمل على تطوير عمل المجالس العلمية من خلال:
عقد لقاءات جهوية ومحلية للتأطير والتكوين والتشاور، لأن مشروع ميزانية 2020 عرف تطورا ينسجم وتوجهات مولانا أمير المومنين أعزه الله، وأنها مستعدة للمواكبة والتتبع اليومي لحل جميع الإشكالات التي قد تعترض السادة الآمرين بالصرف، وفق رؤية تشاركية محليا وجهويا.
والـحمد لله الذي بنعمته تتم الصالـحات. والسلام
تقرير لـجنة برنامج العمل السنوي
تقرير لـجنة برنامج العمل السنوي
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعينوالتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد فقد التأم أعضاء لجنة برنامج العمل السنوي للمجالس العلمية للنظر في أمرين اثنين:
الأول: البرامج السنوية التي هيأتها المجالس لعام 2020، وقدمتها للدورة العادية الثامنة والعشرين التي انعقدت في الرباط بتاريخ 16/17 ربيع الثاني 1441هـ، 13/14 دجنبر 2019م.
الثاني: أجوبة المجالس عن مذكرة الأمانة العامة المتعلقة بواقع الشرط وتثبيته ودعمه.
وبعد تدارس الأعضاء ومناقشتهم للموضوعين خلصوا إلى الآتي:
1.البرامج المقدمة للجنة تدل على استحضار مقتضيات المراجع المؤطرة لعمل المجالس، وفي مقدمتها الظهير الشريف المنظم لعمل المؤسسة العلمية، والتوجيهات الملكية السامية، والنظام الداخلي للمجالس، ومقررات دورات المجلس العلمي الأعلى، ومذكرات الأمانة العامة وتوجيهاتها، واستذكار طبيعة رسالة الخالق التي يتحمل العالم مسؤولية المشاركة في تبليغها للمخلوق في محيطه بصدق وأمانة؛
أنشطة المجالس العلمية والثقافية والاجتماعية الواردة في البرامج تعبر
عن كونها آليات تسهم في خدمة الثوابت الدينية والاختيارات المذهبية والسلوكية وقضايا الوطن، وتستهدف سائر شرائح المجتمع، من قيمين وأطفال وشباب ونساء ورجال. كما تعبر عن التراكم الحاصل لدى المجالس من حيث الاسيتعاب والتنزيل، مما يدل على أن المجالس قد خطت خطوات مهمة في هذا الصدد؛
الأماكن والفضاءات التي تنجز فيها الأنشطة:
مقرات المجالس والمساجد ومؤسسات أخرى تعليمية وتربوية وسجنية وإعلامية؛
4.يشارك في القيام بالأنشطة الرؤساء والأعضاء والعضوات والواعظون والواعظات والخطباء والأئمة المؤطرون والمرشدات، وطائفة أخرى من العلماء والأساتذة، وبعض الداعمين والمتعاونين مع المجالس؛
معالجة بعض القضايا والمسائل تختلف مستويات تدبيرها تبعا للخصوصيات الجغرافية، واتساع دائرة الاشتغال وضيقها؛
تنجز بعض المجالس معظم ما سطر في برامجها، وتضيف إلى ذلك أعمالا أخرى تقتضيها المصلحة؛
عامة موضوعات الاشتغال التي تشترك المجالس في معالجتها يمكن تصنيفها إلى ثلاثة محاور أساسية هي:
أ – تعليم وتربية وإرشاد وتكوين؛
ب – أنشطة ثقافية؛
ج – أنشطة اجتماعية.
مع العلم أن بعض الموضوعات تصلح معالجتها لأكثر من محور، كالمحاضرات والندوات والبرامج الإعلامية والمسابقات العلمية والثقافية.
ومما يدرج في المحور الأول:
– التزكيات التي تسلمها المجالس في حفظ القرآن الكريم والإمامة والخطابة والوعظ والإرشاد وتأطير الحجاج؛
– دروس الوعظ والإرشاد؛
– التكوين المستمر من خلال ميثاق العلماء، ودليل الإمام والخطيب والواعظ، وتدريس بعض المواد كالفقه واللغة؛
– الأجوبة عن الأسئلة المتعلقة بالعبادات والمعاملات والأخلاق؛
– تعليم القرآن الكريم؛
العناية بالحديث والسيرة؛
محاربة الأمية.
ومما يدرج في المحور الثاني:
الندوات والمحاضرات والمسابقات الثقافية وعمل المكتبات وإصدار الكتب والمجلات والمطويات والبرامج الإعلامية.
ومما يدرج في المحور الثالث:
إصلاح ذات البين؛
الزيارات التفقدية لبعض المؤسسات التي تحتاج إلى رعاية،
كدار المسنين، ودور رعاية الطفولة، ودور الطالبات والطلبة.
ويضاف إلى المحاور الأساسية المذكورة أنشطة أخرى جهوية،
وتتم على الخصوص في شكل ندوات وتظاهرات علمية، وبعض الأعمال التي يتم فيها التنسيق مع المندوبيات، والتواصل والانفتاح على المؤسسات الرسمية.
ومما يجدر بالمجالس العلمية إيلاء المزيد من العناية به ما يلي:
وضع مبدإ الاستعانة بالأئمة المرشدين والمرشدات خريجي وخريجات معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات ضمن أولويات المجالس العلمية أثناء وضع برنامج العمل السنوي، على اعتبار أن هذه الفئة من الفئات المؤهلة القادرة على تنفيذ وتنزيل مقتضيات برامج وخطط العمل السنوية؛
الحرص على إيلاء الخطبة المنبرية الاهتمام اللازم باعتبارها الآلية التوجيهية الإصلاحية الأكثر تأثيرا؛
بذل مزيد من العناية بالناشئة طفولة وشبابا وقاية وتنمية، اعتبارا لما تعقده المؤسسة العلمية على هذه الفئة المجتمعية من أمل في الانخراط الإيجابي في دعم الأمن الروحي للمجتمع واستقراره وإصلاحه.
الثاني: أجوبة المجالس عن مذكرات الأمانة العامة في موضوع نظام الشرط وتثبيته ودعمه:
عالجت الأجوبة واقع الشرط وتشخيص أحواله وتقديم بيانات وإحصاءات في الموضوع. وأتت على أسباب ضعف الإقبال عليه والعوامل الكفيلة بتثبيته واستمراره، باعتباره موروثا أصيلا ومعطى حضاريا متجذرا في الثقافة والعرف.
وفي هذا الصدد قدمت اقتراحات من شأن تنزيلها صيانة ودعم مبادئ وقيم التكافل المجتمعي.
ومن الله التوفيق.
تقرير اللجنة العلمية المكلفة بالإفتاء
تقرير الهيأة العلمية المكلفة بالإفتاء وعلى آله وأصحابه أجمعين
افتتح المنسق الاجتماع بالتذكير بالمهمة الجليلة المنوطة بالهيأة في مجال الإفتاء، وذكر أنها، ومنذ انعقاد الدورة السابعة والعشرين للمجلس بالرباط، توصلت بنحو خمسين مطلبا للفتوى، عقدت لدراستها وإبداء الرأي فيها من المنظور الشرعي ثمانية اجتماعات.
وهذه المطالب، منها ما يتعلق بقضايا الشأن العام، وهو القليل، وما يتعلق بقضايا المقابر، وهو الغالب والكثير، ومنها ما يتعلق بأسئلة المواطنين في مسائل مختلفة.
وهذه المسائل الواردة من عامة المواطنين يحال بعضها على المجالس العلمية المحلية لكونها مسائل فقهية عادية، معلومة فقها لدى العلماء الأفاضل في هذه المجالس، وبعضها تتولى الهيأة الإجابة عنها. وفي هذا الصدد، ومن المسائل ذات الشأن العام، التي وردت على الهيأة خلال سنة 2019:
مسألة تعديل بعض مواد القانون الجنائي، والنظر فيما يمكن أن يكون فيه مما قد يخالف الشرع؛
مسألة إعفاء الوثيقة العدلية من خطاب القاضي، حيث نوقشت في هذا الاجتماع مناقشة موسعة، وخلصت اللجنة إثرها إلى القول بجواز ذلك لاعتبارات ودواعي مذكورة في نص الجواب الفقهي المتضمن للفتوى في الموضوع؛
مسألة خمسة قبور بمقبرة في مدينة تطوان، يراد نقلها وتحويلها من مكانها لغاية إقامة مشروع مجتمعي واسع بالمدينة، قررت اللجنة عدم جواز نقلها؛
مسألة تحويل خمسة مقابر بإقليم شيشاوة لغاية تشييد سد بولعوان تحتوي في مجموعها على سبعمائة وخمسين قبرا (750 ق)، قررت اللجنة في شأنها تعيين عضوين من اللجنة ورئيس المجلس العلمي المحلي للقيام بمعاينة لموقع السد وحقينته، والمقابر التي توجد فيه واستيعاب ذلك بتفصيل. وأعضاء هذه اللجنة هم أصحاب الفضيلة: آيت علي، والحسين آيت سعيد، وعبد الحق الأزهري؛
مسألة تحويل بعض المقابر في طنجة والجديدة وغيرها، قررت اللجنة عدم تحويلها، كما سبق في اجتماع قبل هذا؛
مسألة الوصية لأولاد الأبناء (أي لأحفاد الموصي)، خلصت اللجنة إلى أنه حسب عبارة الوثيقة: « ثلثه لأولاد كل منهم، فإن الثلث يقسم على عدد أبناء الموصي الثلاثة لفائدة أولادهم الأحفاد، بصرف النظر عما يكون لكل واحد من أبناء الموصي من ولد واحد (حفيد) أو أكثر ».
فهذا ما تمت دراسته، وخلصت إليه اللجنة من آراء فقهية في المسائل المذكورة، حسبما يقتضيه المنظور الشرعي لكل مسألة منها.
تقرير اللجنة المكلفة بالنظر في دليل المؤسسة العلمية
تقرير اللجنة المكلفة بالنظر في دليل المؤسسة العلمية
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين
وبعد، فقد عقدت اللجنة المكلفة بالنظر في دليل المؤسسة العلمية اجتماعها بهدف الوقوف على الآليات التي سطرها الدليل للارتقاء بعمل المجالس العلمية (جهويا ومحليا)، والتمكن من تقويم اشتغالها بناء على مرجعية منضبطة، ورؤية واضحة المعالم، وموحدة المنهج.
حيث ثمنت هذه اللجنة مشمولات الوثيقة وآفاقها، وهي:
أولا: الأهداف، والتي تتلخص في مدى انسجام برامج عمل المجالس العلمية المحلية مع الوثائق المنظمة لاشتغالها، ومدى مواكبتها للمتغيرات والمستجدات المحلية والوطنية، مواكبة منضبطة بالتصور الذي تؤسس له هذه الوثيقة؛
ثانيا: التمكين من تتبع التنفيذ المحكم لخطط المجالس،المبنية على مرجعية الدليل، واعتماد آلية معلوماتية داعمة لتقويم التتبع.
دون الغفلة عن التحسيس بالتحديات الواقعية بقصد التبصير بها، والتخطيط لتجاوزها أثناء وضع خطط العمل، وتسطير البرامج، وترتيب التدخلات، بقصد ضمان تغطية جميع المهام المنصوص عليها في الوثائق المنظمة، وإكساب المجالس العلمية المحلية القدرة على مسايرة المتغيرات الاجتماعية والثقافية بالمحيط العام والخاص، في أفق بلورة رؤية استراتيجية، وتصور واضح وجامع يؤطر مناهج الاشتغال الميداني.
وللتنزيل الصحيح لمقتضيات هذا الدليل الذي يشترط له مراعاة الواقع، اقترح تعضيده بدليل آخر يعرف بمحيط المجالس العلمية المحلية، وما تزخر به من إمكانات، وتتفرد به من خصوصيات، وتسهم في تهيئته المجالس العلمية المحلية تعريفا من كل واحد منها بجهته، لتكتمل الرؤية الممكنة من تحديد الأولويات بناء على الاحتياجات الدينية والمعرفية والتربوية الحقيقية لكل جهة، لضمان نجاعة التنزيل المنطلق من مرجعية الدليل.
تقرير لجنة الأئمة المرشدين والمرشدات
تقرير لجنة الأئمة المرشدين والمرشدات
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين
عقدت لجنة الأئمة المرشدين والمرشدات اجتماعها الخاص لمناقشة الورقة المعدة من طرف الأمانة العامة للمجلس العلمي الأعلى. وقد حضر الاجتماع أكثر من أربعين عضوا، ناقشوا الورقة وأغنوها بملاحظاتهم واقتراحاتهم، وقد أثمر الاجتماع التقرير الآتي:
يستمد بلدنا تميزه في تدبير الشأن الديني من توجيهات مولانا أمير المؤمنين محمد السادس حفظه الله وأعز أمره، الرامية إلى جعل هذا الحقل مهيئا للإنبات الراسخ الجذور الطيب الثمار البادي الأثر على معالم الشخصية المغربية الحاملة للقيم البناءة والفكر المتزن والعقيدة السليمة والسلوك السوي، توجيهاتٌ سامية التقطت مقاصدَها حكمةُ الأمانة العامة للمجلس العلمي الأعلى لتحولها وبتنسيق تام ومحكم مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إلى برنامج عمل يحمل المعالم الكبرى المحددة لآليات تنزيل السياسة المولوية الكفيلة بتحقيق الإصلاح المنشود والارتقاء المطلوب، ويترجم هذه المعالم إلى اجتهادات ومبادرات تجبر الأعطاب، وتدعم المكتسب، وتعزز المنجز وتقترح الممكن وتمضي به إلى أسباب الكمال.
وحتى يتحول الطموح إلى واقع عملي تتحرك آلته نحو الفعل والتنزيل والأجرأة، عملت دورات المجلس العلمي الأعلى على توجيه مقرراتها نحو التعبئة القوية الموجهة إلى الرفع من وتيرة العمل، ومنسوب الجهد، وكثافة الاقتراح، وقوة الحضور، والإيجابية من جانب العلماء في قضايا أمتهم وهموم مجتمعهم، واتخذت الأمانة العامة إلى ذلك سبلا وقنوات وطرائق اشتغــــــال يتقدمهـــا إحـــــداث لجـــــن متخصصة تتولى النظر في الملفات الكبرى التي تقع في صلب اهتماماتها واختصاصاتها، ومنها لجنة عمل الأئمة المرشدين والمرشدات.
عطفا على ما تقدم من إرادة حفظ الشخصية المغربية المسلمة المتزنة؛ وإدراكا لمركزية دور الأئمة في تحقيق هذا المطلب؛ ووعيا بقدرة خطابهم على التأثير في الناس وتوجيههم وإقناعهم بالنظر إلى ما يتمتعون به من رفعة قدر وعلو منزلة تجعلهم مرجع الناس الذي يثقون به، وقدوتهم التي يتأسون بها؛ وإدراكا لأهمية التكوين النوعي لهذه الشخصية المؤثرة كي يستقيم لها التأثير إيجابيا في عالم يعج بالمتناقضات، ومن فوضى المرجعيات، ومن تعدد التوجهات والتيارات مما يجعل صون الهوية مطلبا عزيز المنال دونه المزيد
من التضحيات ومن تسخير الطاقات.
وإن تعزيز المشهد الديني المغربي بمعلمة معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات ليعد من تجليات هذا التسخير وآلية للتمكين،
عندما تغطي أفواج المتخرجين ربوع المملكة الشريفة ماضية في تحقيق رسالة المعهد تأطيرا وتكوينا بما يرتقي بكفاءة الأئمة وجودة أدائهم، ويحفظ للمسجد رسالته الروحية والتربوية والتنويرية، وينأى به عن كل استغلال من شأنه أن يوقع في الفتن.
ولقد برهنت الخبرة المغربية على فرادة تجربتها بما أثمرت من نتائج طيبة تجلت ملامحها الأساسية في حسن التزام الأئمة بالثوابت الدينية والاختيارات الوطنية التي أجمع عليها أهلنا منذ قرون، وفي تطوير وعيهم بأهمية انخراطهم في التنمية الشاملة التي يقودها أمير المؤمنين.
وإذا كان لهذه التجربة تميزها وألقها اللذان صارا موضعَ اهتمام ومرجعَ استلهام، فحري بها أن تلهمنا أسباب الارتقاء والتجويد والإحسان التي نقترح منها:
ـ تعزيز آليات التعاون والتنسيق بتكثيف التواصل بين الأئمة المرشدين والمرشدات على مستوى الجهة الواحدة وكذلك على صعيد مختلف الجهات،
عبر تنظيم لقاءات تواصلية وتنظيم أيام دراسية وندوات تكوينية تتلاقح فيها الأفكار وتعرض فيها التجارب للدراسة والنقد والاستثمار،
وتناقش فيها صيــــــــــــغ الإبداع والتطوير، فلا شك أن ثمرات هذا الجهد المبذول بنفس وحس الفريق وبحسن التدبير للأوقات والموارد والجهود عائدة بالخير العميم ؛
– تتبع سير تنفيذ المهام الموكولة إلى الأئمة المرشدين والمرشدات
من خلال البوابة الإلكترونية، ورفع جودة أدائها وكفاءتها: برمجة، وتقويما، واستثمارا، مع معالجة المشاكل التقنية بالمنظومة وتطويرها؛
– إنجاز مصوغات التكوين المستمر لفائدة الأئمة المرشدين والمرشدات لإثراء رصيدهم العلمي والمهاري، وتنمية كفاءتهم في أداء رسالتهم التأطيرية؛
– الاسترشاد بتقارير السادة العلماء المشرفين على عمل الأئمة المرشدات والمرشدين، واستثمار توجيهاتهم، والانتفاع بنقدهم للعمل، وتمحيصهم للأداء، وتقويمهم له في أفق التطوير والتجويد والارتقاء؛
– اقتراح اعتماد التعيينات الجهوية ما أمكن ذلك ضمانا للاستقرار النفسي والاجتماعي ولمردودية أكثر ولعطاء أوفر؛
-تفعيل التنسيق التام بين المجالس العلمية والمندوبيات الإقليمية
للشؤون الإسلامية في كل ما يتعلق بعمل المرشدين والمرشدات، خاصة ما يتعلق بالتقييم والرخص الإدارية؛
– تذكير الأمة المرشدين بضرورة الالتزام بالهندام اللائق والسمت الحسن؛
– إعادة النظر في المهام المسندة للأئمة المرشدين بتوسيع نطاقها بالمنظومة؛
– توفير دلائل مرجعية ومذكرات للأئمة المرشدين والمرشدات قصد القيام بمهمة التأطير على أحسن وجه، خاصة دليل الإمام المرشد والمرشدة؛
– الدعوة إلى مساعدة المجالس العلمية في الاستفادة من المعطيات المخزنة في المنظومة.