تعتبر الهوية الصوفية فالمغرب كيانا روحيا متأصلا في المغرب عبر تاريخه الإسلامي، وثابتا من أهم الثوابت أو الأصول المشكلة للهوية المغربية، والتي لها إسهام وأدوار مهمة في تشكيل الشخصية الحضارية للمغاربة في المجال الديني، والخلقي، والاجتماعي، والتربوي.
إن التصوف السني علم وعمل وموهبة، يجمع بين الاعتقاد والمعرفة والفعل في مسار منهجي وذوقي وخلقي، القائم على المحبة ومكارم الأخلاق، مبتغاه الصفاء والنقاء، وميزانه الكتاب والسنة، وهذا هو التصوف الجنيدي كما عرفه أهل المغرب كابرا عن كابر.
والتصوف في المغرب سلوك تحلية وتخلية وتجلية؛ تخلية من الرذائل، وتحلية بفضائل الأخلاق السسنية السنية، وتجلية للأنوار الربانية بإخلاص العبودية وصدق محبته سبحانه وقصد بلوغ معرفته، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتشبث في السلوك مع الناس بقيم الوئام والإخاء والتعاون والتعايش والتراحم والبذل والعطاء دينيا وإنسانيا، وإنما تأتي ذلك لجمع أهل التصوف المغاربة بين فقه الشريعة وفقه الحقيقة، حيث صلاح الظاهر مع الباطن والحرص على التحلي بأخلاق الإسلام، مما جعله أساسا تصوف أخلاق ورقائق؛ وجعل حاصل عمل أهله( قطع عقبات النفس، والتنزه عن أخلاقها المذمومة وصفاتها الخبيثة، حتى يتوصل بذلك إلى تخلية القلب من غير الله تحليته بذكر الله.
فالتصوف في حقيقته هو محاسبة النفس وحملها على التوبة والاستقامة…
واشتملت شريعة الإسلام على ثلاث دعائم؛ عقيدة، وشريعة، وسلوك، وهو ما أشار إليه حديث جبريل المشهور في جواب النبي عليه الصلاه والسلام، عن الإسلام والإيمان والإحسان.
وقد ضرب صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في عبادته لله تعالى، وفي تعامله مع الناس بالحسنى وجميل الأخلاق، وهو القائل عليه الصلاة والسلام: « إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق » وسار على نهجه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم الذين استحقوا الثناء العطر والذكر المحمود من الله سبحانه وتعالى بقوله جل جلاله: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود). سورة الفتح:29
و جاءت نخبة صالحة حملت مشعل الصلاح والفلاح من بعد ذلك، من التابعين وتابعيهم، حتى جاء سيد الطائفتين وتاج العارفين الإمام أبو القاسم الجنيد رضي الله عنه، وطريقته إحدى مقومات ثوابت الأمة المغربية، كما ذكر العلامة عبد الواحد بن عاشر في قوله:
في عقد الأشعري وفقه مالك *** وفي طريقة الجنيد السالك
وقد اتخذ أبو القاسم الجنيد مذهبا في التصوف مستنبطا الكتاب والسنة، مذهب تميز بالاعتدال المضبوط على الأصول الشرعية، فكان فقيها على مذهب أبي ثور الكلبي البغدادي، وقيل: على مذهب سفيان الثوري، وما من متصوف بعده إلا وذكره بكل خير وتأثر به وأخذ بطريقته، وأشاد بأفضاله وبمناقبه الروحية والمعرفية، وأنه أكثر من اتصف بالتصوف المعتدل.
وقد عدَه العلماء شيخ مذهب التصوف، لضبط مذهبه بقواعد الكتاب والسنة، ولكونه مصونا من العقائد الذميمة، محمي الأساس من شبه الغلاة، سالما من كل ما يوجب اعتراض الشرع.
وكان أبوالقاسم الجنيد يقول: علمنا مضبوط بالكتاب والسنة، من لم يحفظ الكتاب، ويكتب الحديث ولم يتفقه لا يُقتدى به.
من إعداد ذ. عبد الرحمن آيت علي عضو المجلس العلمي بجرادة